كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

عَلَّمَهُ قَالَ: لَهُ ارْكَعْ حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْكَ، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْكَ» الْحَدِيثَ وَرَأَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَجُلًا يُصَلِّي وَلَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَقَالَ: مُذْ كَمْ تُصَلِّي هَكَذَا، فَقَالَ: مُذْ كَذَا، فَقَالَ: إنَّكَ لَمْ تُصَلِّ مُنْذُ كَذَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ سَمَاعًا.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ رَجُلٌ وَصَلَّى وَخَفَّفَ فَلَمَّا خَرَجَ أَسَاءُوا الْقَوْلَ فِيهِ فَقَالُوا: أَخَّرَهَا ثُمَّ لَمْ يُحْسِنْ أَدَاءَهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَلَا أَحَدٌ يَشْتَرِي صَلَاتَهُ مِنْهُ، فَخَرَجَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمٍ فَأَبَى فَمَا زَالَ يَزِيدُ حَتَّى ضَجِرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا مَا بِعْتُكَهَا، فَعَادَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ الْمُصَلِّينَ» فَقَدْ جَعَلَ فِعْلَهُ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ صَلَاةِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يَنْقُرُونَ نَقْرًا، فَقَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ، وَلِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْيَقِينِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى فَبَقِيَتْ الرُّكْنِيَّةُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِلْإِكْمَالِ، وَلَكِنَّ تَرْكَ مَا هُوَ لِإِكْمَالِ الْفَرِيضَةِ مِمَّا لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا يُفْسِدُهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فِيمَا عَلَّمَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: «إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ أَتْمَمْتَ صَلَاتَكَ، وَإِنْ نَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَتْ صَلَاتُكَ». إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَوْمَةُ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُكْنٌ، فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ السَّجْدَةَ فِي الرُّكُوعِ إمَّا السَّجْدَةَ الصَّلَاتِيَّةَ أَوْ التِّلَاوِيَّةَ فَخَرَّ لَهَا سَاجِدًا وَلَمْ يَأْتِ بِتِلْكَ الْقَوْمَةِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِيَأْتِيَ بِتِلْكَ الْقَوْمَةِ. وَعِنْدَنَا تِلْكَ الْقَوْمَةُ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ فَتَرْكُهَا لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ لِيَأْتِيَ بِهَا. ثُمَّ قَدْرُ الرُّكْنِ مِنْ الرُّكُوعِ أَدْنَى الِانْحِطَاطِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى رَاكِعًا فِي النَّاسِ، وَفِي السُّجُودِ إمْسَاسُ جَبْهَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْمَفْرُوضُ مِنْ الرَّفْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَدْرُ مَا يُزَايِلُ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ الْأَرْضَ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى السُّجُودِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ.

قَالَ: (وَإِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ يَقْضِي قَالَ: يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ فَيَقْضِي كَمَا فَاتَهُ، وَيُؤَيَّدُ هَذَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ ثَانِيَةُ هَذَا الْمَسْبُوقِ، وَالْقَعْدَةُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ

الصفحة 189