كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ السَّهْمُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَبْدُو لِلنَّاظِرِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا دُونَ هَذَا لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بُعْدٍ، (وَإِذَا اتَّخَذَ السُّتْرَةَ فَلْيَدْنُ مِنْهَا) لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيُرْهِقْهَا»، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ، فَصَلَاتُهُ جَائِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِاِتِّخَاذِ السُّتْرَةِ لَيْسَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى عَيْنِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَمْنَعُ تَرْكُهُ جَوَازَ الصَّلَاةِ.

وَإِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يُفْسِدُ صَلَاتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَالَ: أَشْكَلَ عَلَيَّ مَا أَشْكَلَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ».
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَوْا رَدَّتْهُ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، فَإِنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ: يَا عُرْوَةُ مَاذَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِرَاقِ.؟ قَالَ: يَقُولُونَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، فَقَالَتْ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونِي بِالْكِلَابِ وَالْحَمِيرِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَرَادَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ فَوَقَفَ، ثُمَّ أَرَادَتْ زَيْنَبُ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَشَارَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَقِفْ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ صَاحِبَاتِ يُوسُفَ يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبهُنَّ اللِّئَامُ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ وَالْكَلْبِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ حَدِيثَ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: زُرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَخِي الْفَضْلِ عَلَى حِمَارٍ فِي الْبَادِيَةِ فَنَزَلْنَا فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْتَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ». وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الْمَارُّ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِكَيْ لَا يُشْغِلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» إلَّا أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْأَخْذِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مَشْيٌ وَلَا عِلَاجٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يَقِفْ بِإِشَارَتِهِ جَازَ دَفْعُهُ بِالْقِتَالِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ ابْنُ مَرْوَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقِفْ، فَلَمَّا حَاذَاهُ ضَرَبَهُ عَلَى صَدْرِهِ ضَرْبَةً أَقْعَدَهُ عَلَى

الصفحة 191