كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

بِالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ عَظْمُهُ طَاهِرٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» وَظَهَرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ الْعَاجَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ.

قَالَ: (رَجُلٌ صَلَّى وَقُدَّامُهُ عَذِرَةٌ قَالَ: لَا يُفْسِدُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ)؛ لِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ وُجِدَ فَالنَّجَاسَةُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا تَضُرُّهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْعُدَ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ حُرْمَةً فَيُخْتَارُ لَهَا أَقْرَبُ الْأَمَاكِنِ إلَى الْحُرْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَتَأَدَّى عَلَى مَكَان نَجِسٍ، وَكَوْنُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ كَكَوْنِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ فَرْضَ السُّجُودِ يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْأَرْنَبَةِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ دُونَ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السُّجُودَ فَرْضٌ، فَإِذَا وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ تَأَدَّى الْفَرْضُ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ أَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ، وَأَدَاءُ الْكُلِّ بِالْفَرْضِ فِي الْمَكَانِ النَّجَسِ لَا يَجُوزُ، وَالْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ قَدْ فَسَدَتْ بِأَدَائِهَا عَلَى مَكَان نَجِسٍ، وَالصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَجَزَّأُ، فَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا كَمَا لَوْ أَقَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ عِنْدَ التَّحْرِيمِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرُّكْنَ لَا يَتَأَدَّى عَلَى مَكَان نَجِسٍ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا أَصْلًا حَتَّى أَدَّاهَا عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إذَا كَانَ عِنْدَ التَّحَرُّمِ عَلَى مَكَان نَجِسٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّمْ لِلصَّلَاةِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ الْكَفَّيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ جَازَتْ صَلَاتَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ السَّجْدَةِ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْوَجْهِ جَمِيعًا فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ كَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْوَجْهِ، فَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَكَانِ النَّجِسِ، كَمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ بِأَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَهُ بُدٌّ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ كَمَا بِالِاكْتِفَاءِ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ عَلَى مَكَان نَجِسٍ كَتَرْكِ الْوَضْعِ أَصْلًا، وَتَرْكُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فِي السُّجُودِ لَا يَمْنَعُ

الصفحة 204