كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

الْجَوَازَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرَهُ كَمَثَلِ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ، وَبِهِ فَارَقَ الْوَجْهَ، فَإِنَّ تَرْكَ الْوَضْعِ فِيهِ يَمْنَعُ جَوَازَ السُّجُودِ، بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ فَإِنَّ اللَّابِسَ لِلثَّوْبِ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ، فَلِهَذَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ، وَالْمُصَلِّي لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلْمَكَانِ حَتَّى تَفْسُدَ صَلَاتُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ الطَّرِيقُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ مَا وَضَعَهُ عَلَى مَكَان نَجِسٍ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْهُ أَصْلًا.

قَالَ: (رَجُلٌ صَلَّى عَلَى مَكَان مِنْ الْأَرْضِ قَدْ كَانَ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ طَهَارَةُ الْمَكَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِدَلِيلِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ فَقَدْ زَكَتْ» أَيْ طَهُرَتْ وَقَالَ: «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» ثُمَّ النَّجَاسَةُ تَحْرِقُهَا الشَّمْسُ وَتُفَرِّقُهَا الرِّيحُ وَتُحَوِّلُ عَيْنَهَا الْأَرْضُ وَيُنَشِّفُهَا الْهَوَاءُ فَلَا تَبْقَى عَيْنُهَا بَعْدَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا فَتَعُودُ الْأَرْضُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّيَمُّمِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْضِعٍ تَقَعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ لَا تَقَعُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ فِيهِ حَشِيشٌ نَابِتٌ أَوْ لَيْسَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَشِيشَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ، فَإِنْ أَصَابَ الْمَوْضِعَ مَاءٌ فَابْتَلَّ أَوْ أُلْقِيَ مِنْ تُرَابِهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَعُودُ نَجِسًا كَمَا قَبْلَ الْجَفَافِ، وَالْأُخْرَى وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا إصَابَةُ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا يُنَجِّسُ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ الْبِسَاطَ فَذَهَبَ أَثَرُهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَتَدَاخَلُ فِي أَجْزَاءِ الْبِسَاطِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغُسْلُ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ طَبْعِ الْبِسَاطِ أَنْ يُحَوِّلَ شَيْئًا إلَى طَبْعِهِ، وَمِنْ طَبْعِ الْأَرْضِ تَحْوِيلُ الْأَشْيَاءِ إلَى طَبْعِهَا، فَإِنَّ الثِّيَابَ إذَا طَالَ مُكْثُهَا فِي التُّرَابِ تَصِيرُ تُرَابًا، فَإِذَا تَحَوَّلَتْ النَّجَاسَةُ إلَى طَبْعِ الْأَرْضِ بِذَهَابِ أَثَرِهَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَوْضِعِ لِهَذَا، وَإِنْ كَانَ الْأَثَرُ بَاقِيًا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ طَهُورَ الْأَثَرِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّلْجِ إذَا كَانَ مُمْكِنًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ مُتَلَبِّدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِدُ جَبِينُهُ حَجْمَ الْأَرْضِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّدًا حَتَّى لَا يَجِدَ جَبِينُهُ حَجْمَ الْأَرْضِ حِينَئِذٍ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السُّجُودِ عَلَى الْهَوَاءِ عَلَى هَذَا السُّجُودِ عَلَى الْحَشِيشِ أَوْ الْقُطْنِ إنْ شُغِلَ جَبِينُهُ فِيهِ حَتَّى وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ إذَا صَلَّى عَلَى طِنْفِسَةٍ مَحْشُوَّةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ مُتَلَبِّدًا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَالَ: مَا أُبَالِي صَلَّيْتُ عَلَى

الصفحة 205