كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

لَمْ يَنْوِ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَكِنَّهُ نَوَى الظُّهْرَ وَالِاقْتِدَاءَ إذَا كَانَ إمَامُهُ فِي الْجُمُعَةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي غَيْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَتَغَايُرُ الْفَرْضَيْنِ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: إذَا نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ وَالْجُمُعَةَ، فَإِذَا هِيَ الظُّهْرُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْبِنَاءُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَعْتَبِرُ بِمَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَمَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَكَانَ الِاقْتِدَاءُ صَحِيحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ، فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو.

قَالَ: (وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ الْمَكْتُوبَةَ كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ)؛ لِأَنَّ فِي الِاعْتِمَادِ تَنْقِيصُ الْقِيَامِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِي الْمَكْتُوبَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، فَكَذَلِكَ يُكْرَهُ تَنْقِيصُهُ بِالِاعْتِمَادِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الِاعْتِمَادَ فِي التَّطَوُّعِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ فَتَنْقِيصُهُ أَوْلَى، وَقِيلَ: بَلْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِي الِاعْتِمَادِ بَعْضَ التَّنَعُّمِ وَالتَّجَبُّرِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي الْمَسْجِدِ حَبْلًا مَمْدُودًا فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا، فَقِيلَ: لِفُلَانَةَ تُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَعْيَتْ اتَّكَأَتْ فَقَالَ لِتُصَلِّ فُلَانَةُ بِاللَّيْلِ مَا بَسَطَتْ، فَإِذَا أَعْيَتْ فَلْتَنَمْ».

قَالَ: (وَمَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى قَرَأَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ) وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ تَنُوبُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ، وَالتَّحْرِيمُ لِلصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ يَكُونُ، فَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِافْتِتَاحِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ.

قَالَ: (وَإِذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُجْزِئُهُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَعَ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَعَ قَاعِدًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقُعُودُ فِي التَّطَوُّعِ بِلَا عُذْرٍ كَالْقُعُودِ فِي الْفَرْضِ بِعُذْرٍ، ثُمَّ هُنَاكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالِ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْبَقَاءِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَخِيَارُهُ فِيمَا لَمْ يُؤَدِّ بَاقٍ، وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا بَاشَرَ وَلَا صِحَّةَ لِمَا بَاشَرَ إلَّا بِهِ، وَلِلرَّكْعَةِ الْأُولَى صِحَّةٌ بِدُونِ الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْعُذْرِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ بِالشُّرُوعِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ فَهُوَ الْتِزَامٌ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ وَلَا رِوَايَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ بِصِفَةِ الْقِيَامِ اعْتِبَارًا لِمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَرَاءَ مَا بِهِ يَتِمُّ التَّطَوُّعُ

الصفحة 208