كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

قَعَدَ فِي آخِرِهِ، وَلَكِنَّ فِعْلَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَقَعَ مُعْتَدًّا فَيَشْتَغِلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ وَعَاجِزًا عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِإِيمَاءٍ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ لِافْتِتَاحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِهِ، فَكُلُّ قِيَامٍ لَا يَعْقُبُهُ سُجُودٌ لَا يَكُونُ رُكْنًا، وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّشَبُّهِ بِمَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَالتَّشَبُّهُ بِالْقُعُودِ أَكْثَرُ، وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْمُومِئَ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَهَ بِالسُّجُودِ إلَّا أَنَّ بِشْرًا يَقُولُ: إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ بِالْمَرَضِ مَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ إتْيَانِهِ، فَأَمَّا فِيمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الِانْفِصَالَ عَنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقُعُودِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً» فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى الْجَنْبِ، وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَا وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَكَمَا إذَا اُحْتُضِرَ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ هَكَذَا يُصَلِّي أَيْضًا، وَكَذَلِكَ يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ هَكَذَا، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَالْجَانِبَانِ مِنْهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَجْهُهُ إلَى مَا هُوَ الْقِبْلَةُ، وَفِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُهُ إلَى رِجْلِهِ وَذَا لَيْسَ بِقِبْلَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَوَجْهُهُ أَيْضًا يَكُونُ إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُحْتُضِرَ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَاقْتَرَبَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلِمَا قِيلَ بِأَنَّ مَرَضَهُ كَانَ بَاسُورًا فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ. وَالثَّانِي وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً» يَعْنِي سَاقِطًا عَلَى الْجَنْبِ كَقَوْلِهِ: «فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا» أَيْ سَقَطَتْ فَكَذَلِكَ هُنَا.

قَالَ: (الْمُومِئُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُومِئِ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» مَعْنَاهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ تَتَضَمَّنُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، وَتَضَمُّنُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا هُوَ دُونَهُ، وَهَا هُنَا حَالُ الْمُقْتَدِي مِثْلُ حَالِ الْإِمَامِ أَوْ دُونَهُ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُومِيًا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلُ حَالِ الْإِمَامِ أَوْ دُونَهُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا وَالْمُقْتَدِي قَارِئًا أَوْ أُمِّيًّا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلُ حَالِ الْإِمَامِ أَوْ دُونَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَاعِدًا وَالْمُقْتَدِي قَائِمًا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

الصفحة 213