كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

يُفَارِقُ الصَّحِيحَ فِيمَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ هُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، ثُمَّ الصَّحِيحُ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي الْمَغَارَةِ فَتَحَرَّى إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى إلَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ لَا تَجُوزُ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ وَجْهُهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَجِدُ أَحَدًا بِأَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا بَرَأَ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَالْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ مَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الشُّرُوطِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِيمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ هُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، ثُمَّ الصَّحِيحُ إذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا.

قَالَ: (قَوْمٌ مَرْضَى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فَتَحَرَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى إلَيْهَا جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ)؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ مِنْ الْأَصِحَّاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَمِنْ الْمَرْضَى أَوْلَى، قَالَ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا جَازَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ خَالَفَ إمَامَهُ، فَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ خَالَفَ إمَامَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إذَا اعْتَقَدَ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ خَالَفَ إمَامَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اعْتَقَدَ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِمَامِ فَحِينَئِذٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ.

قَالَ: (مَرِيضٌ مُتَحَرٍّ أَوْ مُسَافِرٌ مُتَحَرٍّ تَبَيَّنَّ لَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ) لِحَدِيثِ أَهْلِ قُبَاءَ أُخْبِرُوا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقِبْلَةَ حُوِّلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ، فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَهُمْ فِي رُكُوعٍ فَجَوَّزَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى حَصَلَ بِالِاجْتِهَادِ، وَهَذَا اجْتِهَادٌ آخَرُ، وَالِاجْتِهَادُ لَا يَنْقُضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ، كَالْقَاضِي إذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ اجْتِهَادَهُ كَانَ خَطَأً فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ لَا يَنْقُضُ قَضَاؤُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.

قَالَ: (الْمَرِيضُ الْمُومِئُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ يُومِئُ إيمَاءً لِسَهْوِهِ) لِأَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ دُونَ الصُّلْبِيَّةِ وَتِلْكَ تَتَأَدَّى بِالْإِيمَاءِ فَهَذَا أَوْلَى، فَلَوْ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ سَقَطَ عَنْهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا

الصفحة 216