كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْمُعْجِزَةِ وَهِيَ السُّورَةُ وَأَقْصَرُهَا الْكَوْثَرُ وَهِيَ ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسَمَّى بِهِ قَارِئًا، وَمَنْ قَالَ: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَوْ قَالَ: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لَا يُسَمَّى بِهِ قَارِئًا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَاَلَّذِي تَيَسَّرَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمَانِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، ثُمَّ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآيَةِ الْقَصِيرَةِ وَالطَّوِيلَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرُّكْنَ يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ.

(وَإِنْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ)؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ بِالْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ، فَإِذَا تَرَكَ فَقَدْ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ وَالتَّغَيُّرُ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ، وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ صِفَةَ الْمُخَافَتَةِ فِي صَلَوَاتِ النَّهَارِ أَلْزَمُ مِنْ صِفَةِ الْجَهْرِ فِي صَلَوَاتِ اللَّيْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ يَتَخَيَّرُ، وَفِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ لَا يَتَخَيَّرُ فَبِنَفْسِ الْجَهْرِ فِي صَلَوَاتِ الْمُخَافَتَةِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ، وَبِنَفْسِ الْمُخَافَتَةِ فِي صَلَوَاتِ الْجَهْرِ لَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِقْدَارِ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ التَّغَيُّرُ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَتَأَدَّى فَرْضُ الْقِرَاءَةِ إلَّا بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ التَّغَيُّرُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا تَمَكَّنَ التَّغَيُّرُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَجَبَ السَّهْوُ
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِهَذَا) أَمَّا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي صَلَاتِهِ جَهَرَ أَوْ خَافَتَ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فَجَهْرُ الْمُنْفَرِدِ بِقَدْرِ إسْمَاعِهِ نَفْسَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ ذَلِكَ، فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ.

قَالَ: (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْتَمِّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ)؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْإِمَامِ تَبَعٌ لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ، فَيَجِبُ عَلَى التَّبَعِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَسَهْوُ الْمُؤْتَمِّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، أَمَّا عَلَى الْإِمَامِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمُؤْتَمِّ، وَأَمَّا عَلَى الْمُؤْتَمِّ فَلِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ».

قَالَ: (وَإِذَا سَلَّمَ

الصفحة 222