كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَسَبَّحُوا بِهِ فَعَادَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَلَكِنَّهُ سَبَّحَ بِهِمْ فَقَامُوا». وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَادَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ كَانَ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَتَمَّ قَائِمًا اشْتَغَلَ بِفَرْضِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَرْكُ الْفَرْضِ لِلْعَوْدِ إلَى السُّنَّةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ إلَى الْعَوْدِ أَقْرَبُ يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَاعِدِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِيَامِ لَا يَعُودُ كَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا.

قَالَ: (وَإِذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ مَرَّاتٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سَجْدَتَانِ تُجْزِئَانِ عَنْ كُلِّ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ»، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إنَّمَا يُؤَخَّرُ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِكَيْ لَا يَتَكَرَّرَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِتَكَرُّرِ السَّهْوِ.

قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فَأَخْطَأَ وَقَرَأَ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ)؛ لِأَنَّ مَا قَرَأَ وَمَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي صَلَاتِهِ بِهَذَا السَّبَبِ.

وَإِذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَانَ سَاجِدًا لِلسَّهْوِ مَرَّتَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ، وَلَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهٍ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنْ تَكْرَارَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ بِهَذَا السَّهْوِ رُبَّمَا يَسْهُو فِيهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لِلْكِسَائِيِّ وَكَانَ ابْنَ خَالَتِهِ: لِمَ لَا تَشْتَغِلُ بِالْفِقْهِ مَعَ هَذَا الْخَاطِرِ، فَقَالَ: مَنْ أَحْكَمَ عِلْمًا فَذَلِكَ يَهْدِيهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنِّي أُلْقِي عَلَيْكَ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَخَرِّجْ جَوَابَهُ مِنْ النَّحْوِ.؟ فَقَالَ: هَاتِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَفَكَّرَ سَاعَةً.؟ فَقَالَ: لَا سَهْوَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ بَابٍ مِنْ النَّحْوِ خَرَّجْتَ هَذَا الْجَوَابَ.؟ فَقَالَ: مِنْ بَابِ أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ فَتَعَجَّبَ مِنْ فِطْنَتِهِ.

قَالَ: (وَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِسَهْوِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَطْعًا وَيَسْجُدُ)؛ لِأَنَّ أَوَانَ السُّجُودِ مَا بَعْدَ السَّلَامِ فَلَمْ يَفُتْهُ بِهَذَا السَّلَامِ شَيْءٌ، وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَسْجُدَ حَدِيثُ النَّفْسِ فَلَا يُعْتَدُّ حُكْمًا، كَمَا لَوْ نَوَى أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي حَالِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ.

قَالَ: (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَمَا سَلَّمَ وَبَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِلسَّهْوِ تَوَضَّأَ وَعَادَ فَأَتَمَّ)؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ وَسَبْقُ الْحَدَثِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ

الصفحة 224