كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

مَعَهُ الْإِمَامُ)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حِينَ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي بِهِ فَيُتَابِعُهُ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ قَضَى فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَمَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا مَعَهُ) وَهُوَ لَا يَقْضِي الْأَوَّلُ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَمَا سَجَدَهَا لَمْ يَقْضِهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَفْرُغْ الْإِمَامُ مِنْهُ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ بِهِ، فَأَمَّا فِيمَا فَرَغَ مِنْهُ الْإِمَامُ فَلَا مُتَابَعَةَ، وَلَا يَتَقَرَّرُ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ.

قَالَ: (وَلَا يُتَابِعُ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ غَيْرُ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي حَالَةِ التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسَلِّمُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُسَلِّمَ بَعْدَهُ، وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالتَّكْبِيرُ فِي هَذَا كَالتَّلْبِيَةِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَكَمَا لَا يُتَابِعُهُ الْمَسْبُوقُ فِي التَّلْبِيَةِ فَكَذَلِكَ فِي التَّكْبِيرِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ تَابَعَهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ تَابَعَهُ فِي التَّلْبِيَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ إجَابَةٌ لِلدَّاعِي وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ كَافُ الْخِطَابِ فِيهِ.

قَالَ: (وَإِذَا ذَكَرَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بَدَأَ بِالْأُولَى مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْأُولَى فِي الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ تَرَكَ سَجْدَةً وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ يَأْتِي بِتِلْكَ السَّجْدَةِ وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ زِيَادَةَ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ كَزِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ فِي احْتِمَالِ الْإِلْغَاءِ، فَأَمَّا عِنْدَنَا زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الْإِلْغَاءَ، وَالرَّكْعَةُ تَتَقَيَّدُ بِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ فَأَدَاءُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إذًا مُعْتَبَرٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ إلَّا قَضَاءَ الْمَتْرُوكِ، وَتَرْكُ السُّجُودِ مُخَالِفٌ لِتَرْكِ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سُجُودٍ لَمْ يَسْبِقْهُ رُكُوعٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّ السُّجُودَ تَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا لِتِلَاوَةٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْدَأُ بِالصَّلَاتِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْقَضَاءُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ، فَإِذَا كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالصَّلَاتِيَّةُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَدَأَ بِالتِّلَاوَةِ لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهَا.

قَالَ: (وَإِذَا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صَلَاتِيَّةً أَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَادَ إلَى صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا)، وَفِي الْقِيَاسِ إذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعُودَ إلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّ صَرْفَ الْوَجْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ.

الصفحة 226