كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

فَسَجَدَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا زَادَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ.

قَالَ: (وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا فَأَتَمَّ الْمَسْبُوقُ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَ)؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِمَا فَاتَهُ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّسْلِيمِ، وَأَوَانُ سُجُودِ السَّهْوِ مَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَقُلْنَا: يَتَأَخَّرُ وَيُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَسَجَدَ هُوَ مَعَهُمْ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ خَلِيفَتِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ هُنَا.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ يُتَابِعُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ) ثُمَّ يَقُومُ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي سَجَدَ أَيْضًا، وَهَذِهِ ثَلَاثُ فُصُولٍ أَحَدُهَا فِي الْمَسْبُوقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَالثَّانِي فِي اللَّاحِقِ إذَا نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ أَوَّلًا، وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُتِمُّ، وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي مُتَعَطِّلٌ وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يُتِمُّ، وَالْمَسْبُوقُ يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ، وَلِهَذَا تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا، وَلَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ إلَّا بَعْدَ إتْمَامِ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاتِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَالثَّالِثُ فِي الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ إذَا قَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يُتِمُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِيهِمَا تَكُونُ قِرَاءَةً لَهُ، فَأَمَّا فِي حُكْمِ السَّهْوِ فَفِي الْكِتَابِ جَعَلَهُ كَالْمَسْبُوقِ، فَقَالَ: يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِتْمَامِ غَيْرَ مُقْتَدٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ مُقْتَدِيًا فِيمَا لَيْسَ عَلَى إمَامِهِ، وَالْإِمَامُ لَوْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا كَانَ مُتَنَفِّلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُقْتَدِيًا فِيهِمَا كَانَ كَاقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُؤَدِّيهِ بِتِلْكَ التَّحْرِيمَةِ كَاللَّاحِقِ.
قَالَ: (وَإِنْ سَجَدَ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ لَمْ يُجْزِهِ)؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ:) أَلَيْسَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ، فَصَلَاةُ الْمَسْبُوقِ فَاسِدَةٌ وَمَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ (قُلْنَا:) فَسَادُ صَلَاتِهِ لَيْسَ لِلزِّيَادَةِ بَلْ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ هَاهُنَا فَاللَّاحِقُ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ مَا يُؤَدِّي

الصفحة 229