كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 2)

وَالْفِضَّةُ فَخُلِقَا جَوْهَرَيْنِ لِلْأَثْمَانِ لِمَنْفَعَةِ التَّقَلُّبِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَتْ مُعَدَّةً لِلنَّمَاءِ عَلَى أَيْ صِفَةٍ كَانَتْ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا

[زَكَاة الحلي]
(قَالَ:) وَالْحُلِيُّ عِنْدَنَا نِصَابٌ لِلزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ مَصُوغًا صِيَاغَةً تَحِلُّ أَوْ لَا تَحِلُّ. وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ مَالُ الزَّكَاةِ كَمَالِ الْبِذْلَةِ بِخِلَافِ حُلِيِّ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مَحْظُورٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ شَرْعًا يُسْقَطُ اعْتِبَارَ الصَّنْعَةِ وَالِابْتِذَالَ حُكْمًا فَيَكُونُ مَالُ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُبَاحًا شَرْعًا وَهُوَ نَظِيرُ ذَهَابِ الْعَقْلِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا بِخِلَافِ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِسَبَبِ شُرْبِ دَوَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا.
(وَلَنَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى امْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُمَا، فَقَالَتَا: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ، فَقَالَتَا: لَا، فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَّيَا زَكَاتَهُمَا»، وَالْمُرَادُ الزَّكَاةُ دُونَ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَالْإِعَارَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ أَوْضَاحًا لَهَا مِنْ ذَهَبٍ فَسَأَلَتْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَنْزٌ هِيَ، فَقَالَ: إنْ أَدَّيْتِ مِنْهَا الزَّكَاةَ فَلَيْسَتْ بِكَنْزٍ»، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالصَّنْعَةِ كَحُكْمِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَجَرَيَانِ الرَّبَّا وَبَيَانِ الْوَصْفِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ مَا اعْتَبَرَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعَ اسْمِ الْعَيْنِ وَصْفًا آخَرَ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فَعَلَى أَيْ وَجْهٍ أَمْسَكَهُمَا الْمَالِكُ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ لِلِابْتِذَالِ فِيهِمَا عِبْرَةٌ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا أَوْ مُبَاحًا كَمَا فِي السَّوَائِمِ إذَا جَعَلَهَا حَمُولَةً ثُمَّ الِابْتِذَالُ هَاهُنَا لِمَقْصُودِ الْحَمْلِ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَيَاةُ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ فَلَا تَنْعَدِمُ بِهِ صِفَةُ التَّنْمِيَةِ الثَّابِتَةِ لِهَذَيْنِ الْجَوْهَرَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ بَلْ يَعْتَبِرُ كَمَالَ النِّصَابِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ لِيُكْمِلَ النِّصَابَ كَالسَّوَائِمِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُشْكِلٍ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضُمَّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَمُطْلَقُ السُّنَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى

الصفحة 192