كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 2)

تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ.
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَيِّنَ بِهِ حَاجًّا مُنْقَطِعًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ يَحْصُلُ بِهِ وَالْمُكَاتَبُ مِنْ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ بِالنَّصِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {، وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَاجُّ الْمُنْقَطِعُ أَيْضًا، ثُمَّ هُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْن السَّبِيلِ، وَابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ، وَكَذَلِكَ يُقْضَى دَيْنُ مُغَرَّمٍ بِأَمْرِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُهُ بِأَمْرِهِ بِمِلْكِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا قَضَاهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ

(قَالَ): وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الْوَاجِبِ جِنْسًا آخَرَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (قَالَ:)، وَإِنْ أَعْطَى مِنْ جِنْسِ مَالِهِ وَكَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِيمَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَبَهْرَجَةٌ فَأَدَّى مِنْهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ جِيَادًا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا خَمْسَةً نَبَهْرَجَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا عَنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالْوَاجِبِ وَلَا رِبًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةٌ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا، وَأَدَاءُ أَرْبَعَةٍ جِيَادٍ كَأَدَاءِ أَرْبَعَةٍ نَبَهْرَجَةٍ فَلَا تُجْزَيْهِ إلَّا عَنْ مِثْلِ وَزْنِهِ

(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ الْعَيْنُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالدَّيْنُ أَنْقُصُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ النَّاقِصِ عَنْ الْكَامِلِ فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فَالْوَجْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الْعَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهُ مِنْ يَدِهِ بِحِسَابِ دَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ أَدَاءُ زَكَاةِ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ بِأَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ وَخَمْسَةٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأهُ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسَةِ يَنْوِي بِهِ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَمَا أَبْرَأَ الْفَقِيرَ مِنْهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَأَنَّ دُونَهُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلِأَنَّ مُبَادَلَةَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا تَجُوزُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَكَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاجِبُ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ جُزْءٌ مِنْهُ. فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ عَلَى الْفَقِيرِ فَوَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ يَنْوِي عَنْ زَكَاةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَقَدْ أَوْصَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ النِّصَابَ الْعَيْنَ كُلَّهُ مِنْ الْفَقِيرِ

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَنِيًّا فَوَهَبَ لَهُ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْجَامِعِ: يَضْمَنُ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقَالَ فِي نَوَادِرِ الزَّكَاةِ: لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَنْبَنِي عَلَى الْقَبْضِ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ، قَالَ: صَارَ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ بِمَا صَنَعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ

الصفحة 203