كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 2)

عَلَيْهِ فِي مَالٍ عَيْنٍ فَوَهَبَهُ لِغَنِيٍّ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ يُجْعَلُ قَابِضًا حُكْمًا كَالْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا. وَأَمَّا مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ إذَا وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ نِصَابًا أَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ عِنْدَنَا.
وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ: قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلٌ إنَّ زَكَاةَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَحَقِّهِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ الرِّبْحُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ، وَزَكَاةُ الْأَصْلِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ التَّبَعُ، وَقَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ يُسَلِّمُ لَهُ إنْ بَقِيَ كُلُّهُ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ هَلَكَ بَعْضُهُ فَهُوَ نَظِيرُ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ الرِّبْحَ بِطَرِيقِ الْجَعَالَة لَا بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ وَلَا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْجَعَالَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْعِمَالَةِ لِعَامِلِ الصَّدَقَاتِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكُهُ فِي الرِّبْحِ فَكَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ الْعَمَلُ وَرَأْسَ مَالِ الثَّانِي الْمَالُ وَالرِّبْحُ يَحْصُلُ بِهِمَا فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ، وَقَدْ نَصَّا فِي الْعَقْدِ عَلَى هَذَا وَتَنْصِيصُهُمَا مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ نَصِيبُهُ وَلَا حُكْمَ لِلشَّرِكَةِ إلَّا هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَارِبِ هُنَا، وَالرِّبْحُ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي نَصِيبِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ لَمَّا كَانَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ

(قَالَ): وَيَأْخُذُ الْعَاشِرُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ إذَا مَرَّ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا لَا يَأْخُذُونَ مِنْ مَالِ صِبْيَانِنَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ فَنُعَامِلُهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَنَا بِهِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ

(قَالَ:) وَإِذَا مَرَّ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ بِالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْعِنَبِ وَالتِّينِ قَدْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ يُعَشِّرْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

الصفحة 204