كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 2)

قَالَ): رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَدَافَعَهُ سِنِينَ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ أَعْطَاهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا مَضَى، وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ " دَافَعَهُ " أَيْ أَنْكَرَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ لِزَكَاةٍ فَكَابَرَهُ بِهِ سِنِينَ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُحُودِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَجْحُودَ ضِمَارٌ وَلَا زَكَاةَ فِي الضِّمَارِ، وَفِي قَوْلِهِ " وَلَيْسَتْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يُقِمْهَا سِنِينَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ قِبَلِهِ جَاءَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي هَذَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ

(قَالَ): رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ، ثُمَّ قَبَضَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا فِيمَا مَضَى زَكَاةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهَا زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السَّوَائِمِ فَفِي النُّقُودِ مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ عَنْهَا زَكَاةُ النِّصْفِ كَمَا فِي السَّوَائِمِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ بِالتَّعْيِينِ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ يَلْزَمُهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَاسْتِحْقَاقُ مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَعِنْدَنَا النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ إنَّمَا عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا لِلزَّوْجِ فَهَذَا دَيْنٌ لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلزَّكَاةِ

(قَالَ:) وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُفَاوِضَيْنِ فَأَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةَ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ صَارَ نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ إقَامَةِ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَمَرَ صَاحِبَهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَا مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنْ أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِمَّا أَدَّى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يَضْمَنْ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُؤَدَّيْ أَوَّلًا مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَيَضْمَنُ الْمُؤَدَّيْ آخِرًا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِمَّا أَدَّى فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ يَقُولُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا كَفَّرَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ مَا عَمِيَ الْعَبْدُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ سَوَاءً عَلِمَ بِتَكْفِيرِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَدَاءَ

الصفحة 209