كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 2)

الْخُمُسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ كَالْمُصْحَفِ وَالدِّرْهَمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا، أَوْ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّرْكِ كَالصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ فَحِينَئِذٍ فِيهِ الْخُمُسُ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ لُقَطَةٌ» تُعَرَّفُ وَمَا يُوجَدُ فِي الْخَرَابِ الْعَادِي فَفِيهِ «، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّرْكِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَالُ الْمُسْلِمِ لَا يُغْنَمُ وَالْمَوْجُودُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ كَالْمَوْجُودِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا فَهُوَ لُقَطَةٌ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ قَدْ تَقَادَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا دَفَنَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حُرًّا أَوْ مُسْلِمًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَعْدِنِ فَكَذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الرِّكَازِ

(قَالَ:) وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: أَنَا وَضَعْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْخُطَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَصَاحِبُ الْخُطَّةِ هُوَ الَّذِي أَصَابَ هَذِهِ الْبُقْعَةَ بِالْقِسْمَةِ حِينَ اُفْتُتِحَتْ الْبَلْدَةُ فَسُمِّيَ صَاحِبَ الْخُطَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَخُطُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ حَيِّزًا لِيَكُونَ لَهُ فَإِنْ كَانَ هُوَ بَاقِيًا أَوْ وَارِثُهُ دَفَعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْبَاقِي لِلْوَاجِدِ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَجْعَلُ الْمَوْجُودَ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي الْمَفَازَةِ بِعِلَّةِ أَنَّ الْوَاجِدَ هُوَ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَحَازَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ قَدْ مَلَّكَهُ صَاحِبَ الْخُطَّةِ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ عَادِلٌ فِي الْقِسْمَةِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُمَلَّكًا لِلْكَنْزِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا هَذَا مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ فَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَدَهَا فِي خَرِبَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ وَجَدْتَهَا فِي أَرْضٍ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَوْمٌ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ، وَإِنْ وَجَدْتَهَا فِي أَرْضٍ لَا يُؤَدِّي خَرَاجَهَا أَحَدٌ فَخُمُسُهَا لَنَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لَكَ، وَهَذَا مُرَادُ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا قِيَاسُ الْأَثَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ مَلَكَ الْبُقْعَةَ بِالْحِيَازَةِ فَمَلَكَ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ

الصفحة 214