كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

وَالطَّارِئِ

(قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانُوا زَمْنَى مُعْسِرِينَ فَعَلَيْهِ الْأَدَاءُ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَصِحَّاءَ مُعْسِرِينَ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ» وَهُوَ يُمَوِّنُ وَلَدَهُ الزَّمِنَ وَالْمُعْسِرَ وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: بِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنهُ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي مَعْنَى رَأْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الزَّمْنَى إذَا كَانُوا كِبَارًا وَبِدُونِ تَقَرُّرِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ

(قَالَ): وَلَا يُؤَدِّي الْجَدُّ عَنْ نَوَافِلِهِ الصِّغَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَاءَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ يُخَالِفُ الْجَدُّ فِيهَا الْأَبَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُخَالِفُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: أَحَدُهَا: وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ وَالثَّالِثُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَالرَّابِعُ الْوَصِيَّةُ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وِلَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ، وَهُوَ يُمَوِّنُهُمْ فَيَتَقَرَّرُ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ الْأَبِ إلَيْهِ فَهُوَ نَظِيرُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ إذَا كَانَ رَأْسُهُ فِي مَعْنَى رَأْسِ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ وِلَايَتِهِ بِوَاسِطَةٍ وَوِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ ثَابِتَةٌ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ.

(قَالَ): وَلَا يُؤَدِّي الزَّوْجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ» وَهُوَ يُمَوِّنُ زَوْجَتَهُ وَمِلْكُهُ عَلَيْهَا نَظِيرُ مِلْكِ الْمَوْلَى عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْفِرَاشُ وَحِلُّ الْوَطْءِ فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَكَذَلِكَ عَنْ زَوْجَتِهِ.
(وَلَنَا) أَنَّ عَلَيْهَا الْأَدَاءَ عَنْ مَمَالِيكِهَا وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ الْأَدَاءُ عَنْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ نَفْسِ مَمَالِيكِهَا ثُمَّ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلصَّدَقَةِ كَنَفَقِهِ الْأَجِيرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي الصَّدَقَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ مَا تَزَوَّجَهَا لِيَحْمِلَ عَنْهَا الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُجَرَّدَ الْمُؤْنَةِ بِدُونِ الْوِلَايَةِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْهَضُ سَبَبًا وَبِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ فِيمَا سِوَى حُقُوقِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَإِنْ أَدَّى الزَّوْجُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِأَمْرِهَا جَازَ، وَإِنْ أَدَّى عَنْهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ كَمَا لَوْ أَدَّى عَنْ أَجْنَبِيٍّ، وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي فَكَانَ الْأَمْرُ مِنْهَا ثَابِتًا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ

(قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ قُرَابَتِهِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ

الصفحة 105