كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

مَا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّ نَزْعَ النَّفْسِ كَفٌّ عَنْ الْمُجَامَعَةِ وَالْكَفُّ عَنْ الْمُجَامَعَةِ رُكْنُ الصَّوْمِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ إلَّا مَا هُوَ رُكْنُ الصَّوْمِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِصَوْمِهِ أَلَا تَرَى أَنْ اللُّقْمَةَ لَوْ كَانَتْ فِي فِيهِ فَأَلْقَاهَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ أَوْ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ إلَّا أَنَّ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرِّقُ فَيَقُولُ: الْمَوْجُودُ هُنَاكَ جُزْءٌ مِنْ إمْسَاكِ اللُّقْمَةِ فِي فِيهِ إلَى أَنْ يُلْقِيَهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ وَالْمَوْجُودُ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: فِي النَّاسِي لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا نَزَعَ نَفْسَهُ كَمَا تَذَكَّرَ، وَإِذَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ نَزَعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ آخَرَ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ أَوَّلِهِ وَأَوَّلُ الْفِعْلِ مِنْ النَّاسِي غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ مَعَ مُصَادِفَتِهِ وَقْتَ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ وَأَوَّلُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الَّذِي انْفَجَرَ لَهُ الصُّبْحُ عَمْدٌ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ إذَا صَادَفَ وَقْتَ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّوْمِ يَكُونُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَاقْتِرَانُ الْمُجَامَعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي حَقِّ النَّاسِي شُرُوعُهُ فِي الصَّوْمِ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ بَعْدَ مَا نَزَعَ نَفْسَهُ لَوْ أَمْنَى هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أَمْ لَا؟
قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ كَمَا لَوْ احْتَلَمَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا ذَلِكَ وَإِذَا أَتَمَّ الْفِعْلَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْمُجَامَعَةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُ الْجِمَاعُ الْمُعْدِمُ لِلصَّوْمِ، وَقَدْ وُجِدَ فَأَمَّا عِنْدَنَا الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْفِطْرُ عَلَى وَجْهٍ تَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ، وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لِأَهْلِهِ فَدَوَامَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْمُجَامَعَةِ، وَالْفِطْرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَلَئِنْ كَانَ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الْجِمَاعَ الْمُعْدِمَ لِلصَّوْمِ فَالْجِمَاعُ هُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَلَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الِاسْتِدَامَةُ، وَذَلِكَ غَيْرُ الْإِدْخَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ مَكَثَ فِي الدَّارِ سَاعَةً فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ أَنَّهُ نَزَعَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ ابْتِدَاءً الْمُجَامَعَةُ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ مَعَ التَّذَكُّرِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَا إذَا جَامَعَ ثَانِيًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ

الصفحة 141