كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

فِي الْمَرِيضِ نَصًّا، وَلَكِنْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا أَنَّهُ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْفِطْرِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ فَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ.

وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ فِي رَمَضَانَ فَلَا إشْكَالَ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إنَّمَا يُفَارِقُ الْمُقِيمَ فِي التَّرَخُّصِ بِالْفِطْرِ فَإِذَا تَرَكَ هَذَا التَّرَخُّصَ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً، وَصَوْمُ الْمُقِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَّا هَذَا الصَّوْمُ فَنِيَّتُهُ جِهَةٌ أُخْرَى تَكُونُ لَغْوًا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَدَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَكِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ كَالْمُقِيمِ فِي شَعْبَانَ ثُمَّ هُنَاكَ يَتَأَدَّى صَوْمُهُ عَمَّا نَوَى فَكَذَلِكَ هُنَا، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ: إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ التَّرَخُّصَ حِينَ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ، وَلَكِنَّهُ صَرَفَ صَوْمَهُ إلَى مَا هُوَ أَهَمُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْآخَرَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فَيَكُونُ هُوَ مُتَرَخِّصًا بِصَرْفِ الصَّوْمِ إلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَإِنَّهُ فِي رَمَضَانَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذًا بِهِ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ: إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ صَائِمًا عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّرَخُّصَ حِينَ لَمْ يَصْرِفْ الصَّوْمَ إلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَإِذَا تَرَكَ التَّرَخُّصَ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً فَيَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ شَهْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كُلَّمَا دَارَ إلَى تَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُنْذُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَكُونُ صَوْمُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ كُلَّمَا دَار فِي شَهْرٍ وَيَتَعَيَّنُ لَهُ الشَّهْرُ الَّذِي يَعْقُبُ نَذْرَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَرَ دَارِهِ شَهْرًا وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الشَّهْرَ مَتَى شَاءَ، وَهُوَ فِي سَعَةٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مُوَسِّعًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَقْتُ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: أَنْتَظِرُ يَوْمَ فُلَانٍ أَيْ وَقْتَ إقْبَالِهِ أَوْ إدْبَارِهِ وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ بَيَاضِ النَّهَارِ

الصفحة 143