كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

وَلَدَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ عَشَرَةٌ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ وَالشَّهْرُ الَّذِي يَلِيهَا نِفَاسُهَا ثُمَّ بَعْدَهُ عِشْرُونَ طُهْرُهَا ثُمَّ عَشَرَةٌ حَيْضُهَا فَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِهِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مِرَارًا فِي زَمَانِ الْحَبَلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[فَصَلِّ رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْبَدَلِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَاحِبَةُ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةُ إذَا لَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ حُكْمُ مَا رَأَتْ عَلَى مَا تَرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ رَأَتْ فِي مَوْضِعِ عَادَتِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا سَبَقَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَ مَا رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا سَبَقَ كَانَ حَيْضًا وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا، وَكَانَ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْدَالِ إبْهَامَ نَقْلِ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا مُحَمَّدٌ قَالَ: إذَا رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جُعِلَ حَيْضًا بَدَلًا عَنْ أَيَّامِهَا إذَا أَمْكَنَ الْإِبْدَالُ وَالْإِمْكَانُ بِأَنْ يَبْقَى إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرُ سَوَاءٌ كَانَ الطُّهْرُ خَالِصًا أَوْ فِيهِ اسْتِمْرَارٌ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ مِنْ طُهْرِهَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَرَ.
فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجُرَّ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مَا يُضَمُّ إلَى مَا فِي الطُّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيَبْقَى بَعْدَ الْجَرِّ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُبَدَّلُ لَهَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يُبَدَّلُ لَهَا وَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ، وَالْإِمْكَانُ مَوْجُودٌ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِبْدَالِ مُدَّةَ طُهْرٍ تَامٍّ أَوْ أَمْكَنَ تَتْمِيمُهُ بِالْجَرِّ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ تَارَةً، وَتَتَأَخَّرُ أُخْرَى وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولَانِ بِالْبَدَلِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِطَرِيقِ الطَّرْحِ لَا بِطَرِيقِ الْجَرِّ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ أَيَّامِ الْبَدَلِ مَا يُضَمُّ إلَى بَاقِي الطُّهْرِ فَيُتِمُّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَبْقَى مِنْ مَوْضِعِ الْبَدَلِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُبَدَّلُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ لَا يُبَدَّلُ لَهَا وَقَالَا: هَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْجَرِّ التَّغْيِيرُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَجَوَازُ التَّغْيِيرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا كَانَ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالْمَرَّةِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَعَدَدُ الْبَدَلِ دُونَ عَدَدِ الْأَصْلِ وَبَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ وَأَبُو يَعْقُوبَ الْغَزَالِيُّ يَقُولَانِ بِالْبَدَلِ إذَا كَانَ

الصفحة 176