كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَإِنْ لَمْ تَرَ أَيَّامَهَا وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا أَوْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَعْدَ أَيَّامِهَا مِثْلَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا وَيُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْضًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْإِمْكَانِ وَذَكَرَ أَبُو سَهْلِ الْفَرَائِضِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي أَيَّامِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَانْتَقَلَتْ بِهِ عَادَتُهَا، وَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَفِي أَيَّامِهَا، وَبَعْدَ أَيَّامِهَا فَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ سَوَاءٌ لَا يُفْصَلُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ وَلَكِنْ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْكُلُّ عَشَرَةً فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَ كَانَ حَيْضُهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَيَّامَهَا تَصِيرُ فَاصِلَةً بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ أَيَّامُهَا وَمَا تَأَخَّرَ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُهَا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُفْصَلُ عَنْ أَيَّامِهَا وَالْجَوَابُ فِيهِ كَمَا قَالَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْكُلُّ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِيرُ فَاصِلًا فَيَنْظُرُ إلَى أَيَّامِهَا وَمَا تَأَخَّرَ خَاصَّةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ يُجْعَلُ حَيْضًا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَلَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا، وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا جَاوَزَ الْكُلُّ الْعَشَرَةَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُهَا؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ زَمَانَ الطُّهْرِ حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْضُهَا مَا تَقَدَّمَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَحَيْضُهَا مَا تَأَخَّرَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْعَلُ الْمُتَأَخِّرَ حَيْضًا وَعَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو سَهْلِ الْفَرَائِضِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي.

وَعَلَى هَذَا بَنَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلَ الْبَابِ فَقَالَ: امْرَأَةٌ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ قَبْلَهَا خَمْسَةً دَمًا وَطَهُرَتْ أَيَّامَهَا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَأَيَّامُهَا الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْحَيْضُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِهَا مَعَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا فِي أَيَّامِهَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي

الصفحة 182