كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ النَّاسِ لَا يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمَ فِيهِ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الصَّوْمِ فِيهِ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْيَوْمُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فِيهِ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ فَهُوَ عِبَادَةٌ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي فِي حَقِّهِ

(قَالَ): رَجُلٌ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ: قَدْ أَفْطَرَا» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ حُصُولَ الْإِنْزَالِ بِهِ ثُمَّ مَعْنَى افْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ قَدْ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ فَانْعَدَمَ رُكْنُ الصَّوْمِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ بِدُونِ رُكْنِهَا وَلَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِنُقْصَانٍ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّقْبِيلَ تَبَعٌ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مُفْطِرٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ أَنْزَلَتْ لِحَدِيثِ «أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ امْرَأَةٍ تَرَى فِي مَنَامِهَا مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ: إنْ كَانَ مِنْهَا مِثْلَ مَا يَكُونُ مِنْهُ فَلْتَغْتَسِلْ» أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تُنْزِلُ كَالرَّجُلِ، وَإِذَا أَنْزَلَتْ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ

(قَالَ): وَمَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فِي صَوْمِهِ لَمْ يُفْطِرْهُ ذَلِكَ وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفَرْضِ يَقْضِي، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْلَا قَوْلُ النَّاسِ لَقُلْت يَقْضِي أَيْ لَوْلَا رِوَايَتُهُمْ الْأَثَرَ أَوْ لَوْلَا قَوْلُ النَّاسِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَالَفَ الْأَثَرَ وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ يَنْعَدِمُ بِأَكْلِهِ نَاسِيًا كَانَ، أَوْ عَامِدًا وَبِدُونِ الرُّكْنِ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ وَالنِّسْيَانُ عُذْرٌ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَلَا يُمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْأَدَاءِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أَكَلْت وَشَرِبْت فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك فَتِمَّ عَلَى صَوْمِك» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لَمْ يَفْطُرْ، وَإِنْ جَامَعَ نَاسِيًا أَفْطَرَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الصَّوْمِ زَمَانُ وَقْتٍ لِلْأَكْلِ عَادَةً فَيُبْتَلَى فِيهِ بِالنِّسْيَانِ وَلَيْسَ بِوَقْتِ الْجِمَاعِ عَادَةً فَلَا تَكْثُرُ فِيهِ الْبَلْوَى وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ فَإِذَا وَرَدَ نَصٌّ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ وُرُودًا فِي الْآخَرِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةِ كَمَنْ يَقُولُ: لِغَيْرِهِ

الصفحة 65