كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

هُوَ الْجَلْدُ وَفِي جَانِبِهَا الرَّجْمُ وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً، أَوْ عِبَادَةً وَبِسَبَبِ النِّكَاحِ لَا يَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي مُؤَنِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ غَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَالْكَلَامُ فِي هَذَا نَظِيرُ الْكَلَامِ فِي الْخَاطِئِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ

(قَالَ): وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ الْمُوَاقَعَةُ الْمُعْدِمَةُ لِلصَّوْمِ فَلَوْ أَوْجَبَ بِالْأَكْلِ كَانَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْكَفَّارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُقَاسُ دَوَاعِي الْجِمَاعِ عَلَى الْجِمَاعِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَارَةً تَكُونُ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ وَتَارَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَاقَعَةِ مَتَى كَانَتْ الْحُرْمَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ الْعِبَادَةُ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَاقَعَةِ فِيهِ، وَهُوَ فَسَادُ النُّسُكِ لَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالْجَامِعُ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لِلْكَفَّارَةِ الْعُظْمَى فِيهَا فَتَخْتَصُّ بِالْمُوَاقَعَةِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» وَإِنَّمَا فَهِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سُؤَالِهِ الْفِطْرَ بِمَا يَحُوجُهُ إلَيْهِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: شَرِبْتُ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ عَلِيٌّ ": - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ؛ وَلِأَنَّ فِطْرَهُ تَضَمَّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ النَّصِّ فَكَانَ كَالْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ وَبَيَانُهُ أَنَّ نَصَّ التَّحْرِيمِ بِالشَّهْرِ يَتَنَاوَلُ مَا يَتَنَاوَلُهُ نَصُّ الْإِبَاحَةِ بِاللَّيَالِيِ، وَهَتْكُ حُرْمَةِ النَّصِّ جِنَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ ثُمَّ نَحْنُ لَا نُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا نُوجِبُهَا اسْتِدْلَالًا بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ ذَكَرَ الْمُوَاقَعَةَ وَعَيْنُهَا لَيْسَ بِجِنَايَةٍ بَلْ هُوَ فِعْلٌ فِي مَحَلِّ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ الْفِطْرِيَّةُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ فِطْرٌ هُوَ جِنَايَةٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُضَافُ إلَى الْفِطْرِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى النَّاسِي لِانْعِدَامِ الْفِطْرِ وَالْفِطْرُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ لَا بِالْآلَةِ ثُمَّ إيجَابُهُ فِي الْأَكْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ أُوجِبَتْ زَاجِرَةً، وَدُعَاءُ الطَّبْعِ فِي وَقْتِ الصَّوْمِ إلَى الْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْهُ إلَى الْجِمَاعِ وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَشَدُّ فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ أَوْلَى كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ التَّأْفِيفِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الشَّتْمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ اسْتَوَى حُرْمَةُ الْجِمَاعِ وَحُرْمَةُ الْأَكْلِ بِخِلَافِ حَالِ عَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْجِمَاعِ أَغْلَظُ حَتَّى تَزِيدَ حُرْمَةُ الْجِمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ وَبِخِلَافِ الْحَجِّ

الصفحة 73