كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

يُفَرِّقُ وَيَقُولُ: الْحَيْضُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَصَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَقَرُّرُ الْمُنَافِي فِي آخِرِهِ يُمَكِّنُ شُبْهَةَ الْمُنَافَاةِ فِي أَوَّلِهِ فَأَمَّا الْمَرَضُ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِالْمَرَضِ فِي آخِرِ النَّهَارِ شُبْهَةُ الْمُنَافَاةِ فِي أَوَّلِهِ لِلصَّوْمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الصَّوْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى مَرِضَ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْفِطْرِ فِي صَوْمٍ مُسْتَحَقٍّ وَاسْتِحْقَاقُ الصَّوْمِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَقَرُّرُ الْمُنَافَاةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي آخِرِ النَّهَارِ يُمَكِّنُ شُبْهَةِ مُنَافَاةِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِالسَّفَرِ فِي آخِرِ النَّهَارِ شُبْهَةٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى سَافَرَ ثُمَّ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الْمُبِيحَةِ وَالصُّورَةُ الْمُبِيحَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالسَّبَبِ وَلَا إسْنَادَ فِي الصُّوَرِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَعَانِي ثُمَّ السَّفَرُ فِعْلُهُ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُ سَمَاوِيٌّ لَا صُنْعَ لِلْعِبَادِ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ الْعُذْرُ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ سَقَطَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ سُوفِرَ بِهِ مُكْرَهًا فَقَدْ ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَسْقُطُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الصُّنْعَ لِلْعِبَادِ فِيهِ فَهُوَ قِيَاسُ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ عِنْدَهُ بِالْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ فَبِالسَّفَرِ مُكْرَهًا كَيْفَ تَسْقُطُ

(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يُرِيدُ بِهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالنُّصُوصِ وَالنُّصُوصُ وَرَدَتْ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَالْفِطْرُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مَا كَانَ مُتَعَيِّنًا لِقَضَائِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ الْجِمَاعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ يُوجِبُ مَا يُوجِبُ فِي الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَجِّ النَّفْلِ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ مَا يَتَعَلَّقُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

(قَالَ): مُسَافِرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مِصْرَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَدِمَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ حِينَ كَانَ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِهِ فَهَذَا وَالْفِطْرُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ سَوَاءٌ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَ مَا صَارَ مُقِيمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَجَعَلَ وُجُودَ الْإِقَامَةِ فِي آخِرِهِ كَوُجُودِهَا فِي أَوَّلِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الشُّبْهَةُ تَمَكَّنَتْ بِالسَّفَرِ الْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَإِنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْأَدَاءِ وَصَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ

الصفحة 76