كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

قَالَ): رَجُلٌ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهَا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ مِنْ قَابِلٍ فَصَامَهَا مِنْهُ فَإِنَّ صِيَامَهُ عَنْ هَذَا الرَّمَضَانِ الدَّاخِلِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ فِي الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْمَاضِي وَلَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ عِنْدَهُ الْقَضَاءَ مُؤَقَّتٌ بِمَا بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ يُسْتَدَلُّ فِيهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى شَعْبَانَ، وَهَذَا مِنْهَا بَيَانُ آخِرِ مَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ كَتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ فَكَمَا أَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مُوجِبٍ فَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ وَلَنَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَلَيْسَ فِيهَا تَوْقِيتٌ وَالتَّوْقِيتُ بِمَا بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ يَكُونُ زِيَادَةً ثُمَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ قَضَاؤُهَا لَا يَتَوَقَّتُ بِمَا قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ مِثْلِهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - تَخْتَارُ لِلْقَضَاءِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ؛ وَلَأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ مُؤَقَّتًا بِمَا بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ فَالتَّأَخُّرُ عَنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ كَالتَّأَخُّرِ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَتَأْخِيرُ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا إنَّمَا وُجُوبُ الصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ لَا بِتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ ثُمَّ الْفِدْيَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصَّوْمِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ كَمَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَبِالتَّأْخِيرِ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ الصَّوْمِ، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْفِدْيَةِ وَكَمَا لَمْ يَتَضَاعَفْ الْقَضَاءُ بِالتَّأْخِيرِ فَكَذَلِكَ لَا يَنْضَمُّ الْقَضَاءُ إلَى الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّضْعِيفِ

(قَالَ): وَإِنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ، وَإِنْ أَكَلَ، وَهُوَ شَاكٌّ فَصَوْمُهُ تَامٌّ أَمَّا التَّسَحُّرُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَبِأَكْلَةِ السُّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحُورِ» وَالتَّأْخِيرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَالسِّوَاكُ» إلَّا أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشُكُّ فِي الْفَجْرِ الثَّانِي فَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَالْأَكْلُ يَرِيبُهُ فَإِنْ أَكَلَ، وَهُوَ شَاكٌّ فَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالتَّيَقُّنُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ تَسَحَّرَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ

الصفحة 77