كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

عَلَى الْوِلَادَةِ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ أَبْصَرَ الْهِلَال وَحْدَهُ وَرَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَعَلَّ الْغَلَطَ وَقَعَ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ الَّذِي قَالَ: رَأَيْت الْهِلَالَ أَنْ يَمْسَحَ حَاجِبَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْتُهُ فَقَالَ: شَعْرَةٌ قَامَتْ مِنْ حَاجِبِك فَحَسِبْتَهَا هِلَالًا، وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِالصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ احْتِيَاطًا مِنْ غَيْرِ أَنْ نَحْكُمَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَالِاحْتِيَاطُ فِي أَنْ لَا يُفْطِرَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ

(قَالَ): وَإِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي الْفَرْجِ فَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْغُسْلُ أَمَّا الْغُسْلُ فَلِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَنِيِّ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِحُصُولِ الْفِطْرِ عَلَى وَجْهٍ تَتِمُّ الْجِنَايَةُ بِهِ قِيلَ تَمَامُ الْجِنَايَةِ فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ إنْزَالٍ (قُلْنَا) اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَحَلِّ يَتِمُّ بِالْإِيلَاجِ فَأَمَّا الْإِنْزَالُ تَبَعٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْجِنَايَةِ فَلَوْ جَامَعَهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا شَكَّ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ كَامِلًا فِي إيجَابِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحَدِّ وَفِي جَانِبِ الْمَفْعُولِ ظَاهِرٌ فَلَيْسَ لَهَا فِيهِ اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ، وَهُوَ الْفِطْرُ بِجِنَايَةٍ مُتَكَامِلَةٍ إنَّمَا يَدَّعِي أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - النُّقْصَانَ فِي مَعْنَى الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إفْسَادُ الْفِرَاشِ وَلَا مُعْتَبَرٌ بِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ

(قَالَ): فَإِنْ جَامَعَ بَهِيمَةً، أَوْ مَيْتَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ عِنْدَنَا خِلَافًا للِشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ الْجِمَاعُ الْمُعْدِمُ لِلصَّوْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْجِنَايَةُ لَا تَتَكَامَلُ إلَّا بِاقْتِضَاءِ شَهْوَةِ الْمَحَلِّ، وَهَذَا الْمَحَلُّ غَيْرُ مُشْتَهًى عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ، أَوْ لِفَرْطِ السَّفَهِ، وَهُوَ كَمَنْ يَتَكَلَّفُ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهِ بِيَدِهِ لَا تَتِمُّ جِنَايَتُهُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ

(قَالَ): فَإِنْ جَامَعَ أَوْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرَهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا يَشْتَبِهُ فَإِنَّ الْأَكْلَ مَعَ النِّسْيَانِ يُفَوِّتُ رُكْنَ الصَّوْمِ حَقِيقَةً وَلَا بَقَاءَ لِلْعِبَادَةِ مَعَ فَوَاتِ رُكْنِهَا فَيَكُونُ ظَنُّهُ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ خَبَرُ النَّاسِي فَحِينَئِذٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «تِمَّ عَلَى صَوْمِك» فَلَا

الصفحة 79