كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

تَبْقَى شُبْهَةٌ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْعَمَلَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرَّاوِي فَلَا تَنْتَفِي الشُّبْهَةُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ انْعِدَامَ رُكْنِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْتَاهُ مُفْتِي الْعَامَّةِ بِأَنَّ صَوْمَهُ قَدْ فَسَدَ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَاعْتَمَدَ ظَاهِرَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا كَمَا لَوْ اعْتَمَدَ الْفَتْوَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ إذَا سَمِعَ حَدِيثًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِظَاهِرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا، وَإِنْ دَهَنَ شَارِبَهُ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ اعْتَمَدَ حَدِيثًا، أَوْ فَتْوَى؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّنَّ وَالْفَتْوَى بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ

(قَالَ): وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ لَا يُجْزِيهِ صَوْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَنَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَلَكِنَّهُ يُمْسِكُ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: عَلَيْهِ قَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الشَّهْرِ وَجَعَلُوا إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ كَإِدْرَاكِ جَمِيعِ الشَّهْرِ كَمَا أَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِدْرَاكِ جَمِيعِ الْوَقْتِ، وَالتَّفْرِيطُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعْذَرُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَصْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ «أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ حِينَ قَدِمُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمُوا فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَهُمْ بِصَوْمِ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى» وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَنْبَنِي عَلَى خِطَابِ الشَّرْعِ بِالْأَدَاءِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِثَوَابِهَا فَلَا يَثْبُتُ خِطَابُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ وَالصَّوْمُ عِبَادَةٌ مَعْلُومَةٌ بِمِيعَادِهَا، وَهُوَ الزَّمَانُ فَلَا تَصَوُّرَ لِلصَّوْمِ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِأَوْقَاتِهَا وَالْوَقْتُ ظَرْفٌ لَهَا فَجَعَلَ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ ثُمَّ الْقَضَاءُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ

(قَالَ): وَلَا تُصَلِّي الْحَائِضُ وَلَا تَصُومُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيَانِ نُقْصَانِ دَيْنِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ

الصفحة 80