كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

وَلَا تُصَلِّي» يَعْنِي زَمَانَ الْحَيْضِ فَإِذَا طَهُرَتْ قَضَتْ أَيَّامَ الصَّوْمِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
(قَالَ): وَكُلُّ وَقْتٍ جَعَلْتُهَا فِيهِ نُفَسَاءَ، أَوْ حَائِضًا فَإِنَّهَا تُعِيدُ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تُعِيدُ صَلَاتَهُ وَكُلُّ وَقْتٍ عَدَدْتُهَا فِيهِ مُسْتَحَاضَةً فَإِنَّهَا تُعِيدُ صَلَاتَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا فَإِنْ كَانَتْ صَلَّتْ وَصَامَتْ فَقَدْ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلْمُسْتَحَاضَةِ «تَوَضَّئِي وَصَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا» وَقَالَ: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» ثُمَّ طَوَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ فَذَكَرَ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا أَنْ يَنْقُصَ الدَّمُ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، أَوْ يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ، أَوْ أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ، أَوْ يَسْبِقُ رُؤْيَةُ الدَّمِ أَوَانَهُ فَالِاسْتِحَاضَةُ تَكُونُ بِدَمٍ فَاسِدٍ وَيُسْتَدَلُّ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى أَوَانِهِ عَلَى فَسَادِهِ وَتَمَامُ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ

(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ أَنْ يَصُومَهُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ، أَوْ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ أَبُو رَافِعٍ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُنَادِي فِي أَيَّامِ مِنًى أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ» وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ» وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إذَا كَانَ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالذِّكْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ» وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ يَكُونُ فَاسِدًا وَالْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا هُوَ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ صَوْمُ الْمُتْعَةِ عِنْدَنَا لَا يَتَأَدَّى فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فِي الْقَدِيمِ يَتَأَدَّى صَوْمُ الْمُتْعَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ فِطْرٍ أَوْ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ فَصَامَهَا وَأَفْطَرَ فِيهَا يَوْمًا لِمَرَضٍ فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الصِّيَامِ لِانْعِدَامِ صِفَةِ التَّتَابُعِ بِالْفِطْرِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَأَفْطَرَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِلْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُهُ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يُسَوِّي بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ لِاعْتِبَارِ الْعُذْرِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ لِانْعِدَامِ التَّتَابُعِ بِالْفِطْرِ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ تَجِدُ الْمَرْأَةُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ مِنْ الْحَيْض إذَا حَبِلَتْ، أَوْ أَيِسَتْ وَالْفَرْقُ لَنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ

الصفحة 81