كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

الرَّجُل يَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ الْمَرَضِ فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالِاسْتِقْبَالِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ حَرَجٍ وَالْمَرْأَةُ لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ الْحَيْضِ عَادَةً فَلَعَلَّهَا لَا تَحْبَلُ وَلَا تَعِيشُ إلَى أَنْ تَيْأَسَ فَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِقْبَالِ حَرَجٌ بَيِّنٌ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ حَتَّى لَوْ تَكَلَّفَ وَصَامَ جَازَ فَانْقِطَاعُ التَّتَابُعِ كَانَ بِفِعْلِهِ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَدَاءُ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ اسْتَقْبَلَ فَأَمَّا الْحَيْضُ يُنَافِي أَدَاءَ الصَّوْمِ مِنْهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ بِفِعْلِهَا إلَّا أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِصَوْمِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّتَابُعِ فِي وُسْعِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ إذَا صَامَتْ شَهْرًا فَأَفْطَرَتْ فِيهِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ ثُمَّ أَيِسَتْ فَعَلَيْهَا الِاسْتِقْبَالُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ تَمَامِ الْمَقْصُودِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ مَا صَامَتْ شَهْرًا فَأَفْطَرَتْ فِيهِ لِعُذْرِ الْحَيْضِ بَنَتْ عَلَى صَوْمِهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْحَبَلِ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِصَوْمِهَا اسْتَقْبَلَتْ؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ التَّتَابُعَ الَّذِي فِي وُسْعِهَا

(قَالَ): وَإِنْ صَامَ عَنْ ظِهَارٍ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا رَمَضَانُ لَمْ يَكُنْ عَمَّا نَوَاهُ وَكَانَ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّمَا يَتَأَدَّى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُ الْوَقْتُ لَا مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُهُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَجَبَ فَصَامَهُ عَنْ الظِّهَارِ جَازَ عَمَّا نَوَى؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَجَبَ كَانَ مَشْرُوعًا لَهُ، وَكَانَ صَالِحًا لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ النَّذْرِ، وَهُوَ بِالنَّذْرِ مُوجِبٌ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا تَبْقَى صَلَاحِيَّةٌ لِغَيْرِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَأَمَّا الشَّرْعُ لَمَّا عَيَّنَ صَوْمَ رَمَضَانَ لِلْفَرْضِ نَفَى صَلَاحِيَّتَهُ لِغَيْرِهِ وَلِلشَّرْعِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى صَوْمُ الظِّهَارِ مِنْ الْمُقِيمِ فِي رَمَضَانَ. وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَفِيهِ قَوْلٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ يَجِبُ مُتَتَابِعًا وَكَذَلِكَ صَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَاَلَّذِي رُوِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فِي الْحَجِّ شَاذٌّ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ

(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ صَائِمًا يَنْوِي قَضَاءَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا، وَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطَرَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إذَا

الصفحة 82