كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

شَرَعَتْ فَإِنْ لَمْ تُفْطِرْ حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ صَادَفَ الصَّوْمَ وَالْمُنَافَاةُ لَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهَا فَلَا تَكُونُ جَانِيَةً مُلْزَمَةً لِلْقَضَاءِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ شُرُوعَهَا قَدْ صَحَّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ نَذْرِهَا، وَلَوْ نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ فَحَاضَتْ فِيهِ كَانَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَذُّرُ الْإِتْمَامِ مُضَافًا إلَى فِعْلِهَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ

(قَالَ): الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ عَنْ ظِهَارٍ إذَا جَامَعَ بِالنَّهَارِ عَامِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ غَيْرَهَا لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ جَامَعَ بِالنَّهَارِ نَاسِيًا، أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا نُظِرَ فَإِنْ جَامَعَ غَيْرَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ جِمَاعَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَوْمِهِ فَلَمْ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنَّ جِمَاعَ النَّاسِي وَالْجِمَاعَ بِاللَّيْلِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجِمَاعِ غَيْرِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ صَارَ مُؤَدِّيًا صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَوْ بَنَى صَارَ مُؤَدِّيًا أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْآخَرَ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الِامْتِثَالِ.
وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ثُمَّ جَامَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْإِطْعَامِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ إخْلَاءُ الشَّهْرَيْنِ عَنْ الْمَسِيسِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى هَذَا فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَمِنْ ضَرُورَةِ الْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ الشَّهْرَيْنِ عَلَى الْمَسِيسِ الْأَمْرُ بِإِخْلَائِهِمَا عَنْهُ وَالثَّابِتُ بِضَرُورَةِ النَّصِّ كَالْمَنْصُوصِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ تَقْدِيمُ الشَّهْرَيْنِ عَلَى الْمَسِيسِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ إخْلَاؤُهُمَا عَنْ الْمَسِيسِ فَيَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِقْبَالِ بِخِلَافِ جِمَاعِ غَيْرِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِتَقْدِيمِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ عَلَى جِمَاعِهَا فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِإِخْلَائِهَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ جِمَاعُهُ فِي الصَّوْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ مَعْنَى الْكَفَّارَةِ إذَا انْعَدَمَ بِهِ الشَّرْطُ الْمَنْصُوصُ كَمَا لَوْ أَيْسَرَ فِي خِلَالِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّ يَسَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَتَبْطُلُ بِهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ حُرْمَةُ الْجِمَاعِ فِي حَقِّ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا بِدَوَامِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفِي مِثْلِهِ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ تَنْصِيصٌ عَلَى التَّقْدِيمِ عَلَى الْمَسِيسِ

الصفحة 84