كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 3)

نَقِيسُهُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ أَوْجَبَ كِفَايَةً لِلْمِسْكِينِ فِي يَوْمِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولُ أَوَّلًا: يُطْعِمُ عَنْهُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّاعُ قَفِيزٌ بِالْحَجَّاجِيِّ، وَهُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ إسْتَارًا فَذَلِكَ مِائَة وَسِتُّونَ إسْتَارًا وَخَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ بِالْحَجَّاجِيِّ كُلُّ رِطْلٍ ثَلَاثُونَ اسْتَارَا فَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَقَدْ نَصَّ كِتَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنَّمَا رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ حِينَ حَجَّ مَعَ الرَّشِيدِ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ سَبْعُونَ شَيْخًا مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْمِلُ صَاعًا تَحْتَ ثَوْبِهِ فَقَالَ: وَرِثْت هَذَا عَنْ أَبِي عَنْ آبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» وَتَوَارُثُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقِيهُهُمْ: صَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَحَرِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَلَى صَاعِ رَسُولِ اللَّه. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّحَرِّي فَتَحَرِّي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْلَى بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ، وَالْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيِّ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ يَمُنُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ: أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(قَالَ): إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ صَاعُ عُمَرَ حَجَّاجِيًّا ثُمَّ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْهَا لِلنَّفَقَاتِ وَمِنْهَا لِلصَّدَقَاتِ فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ مَحْمُولٌ عَلَى صَاعِ النَّفَقَاتِ.
(قَالَ): وَإِنْ صَحَّ بَعْدَ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي صَحَّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِهَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ، وَهَذَا وَهَمٌّ مِنْ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي النَّذْرِ إذَا نَذَرَ الْمَرِيضُ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ بَرَأَ يَوْمًا وَلَمْ يَصُمْ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ

الصفحة 90