كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا رَمَلَ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ وَإِنَّمَا الرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ فَإِذَا تَحَوَّلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ حَالَ الْبَيْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَكَانَ لَا يَرْمُلُ». وَبِهَذَا أَخَذَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ»
(قَالَ) وَإِنْ زَحَمَك النَّاسُ فِي رَمَلِكَ فَقُمْ فَإِذَا وَجَدْتَ مَسْلَكًا فَارْمُلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إقَامَةُ السُّنَّةِ فِي الطَّوَافِ لِلزِّحَامِ فَلْيَصْبِرْ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَالْمَزْحُومِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَصْبِرُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ، وَتَطُوفُ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْوَاطَ الْأُخَرَ مَشْيًا عَلَى هِينَتِك عَلَى هَذَا اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكُلَّمَا مَرَرْت بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي طَوَافِك هَذَا فَاسْتَلِمْهُ إنْ اسْتَطَعْت مِنْ غَيْرِ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ؛ لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَوَاتِ فَكَمَا تَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ تَقُومُ إلَيْهَا بِالتَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ تَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَإِنْ افْتَتَحَتْ بِهِ الطَّوَافَ، وَخَتَمْتَهُ بِهِ أَجْزَأَكَ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ فَتَرْكُ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ فَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ كُلِّ شَوْطٍ فَإِذَا كَانَ افْتِتَاحُهُ لِلطَّوَافِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَخَتْمُهُ بِذَلِكَ فَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُجْعَلُ كَالْمُسْتَلِمِ حُكْمًا.

(قَالَ) وَلْيَكُنْ طَوَافُك فِي كُلِّ شَوْطٍ وَرَاءَ الْحَطِيمِ. وَالْحَطِيمُ: اسْمٌ لِمَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ يُسَمَّى الْمَوْضِعُ حَطِيمًا، وَحَجَرًا فَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَجَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ حَجَرٌ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ مِنْهُ، وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَطِيمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَحْطُومٌ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مَكْسُورٌ مِنْهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ، وَقِيلَ: بَلْ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ حَاطِمٍ كَالْعَلِيمِ بِمَعْنَى عَالِمٍ، وَبَيَانُهُ فِيمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى» فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَطُوفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي تِلْكَ الْفُرْجَةِ فِي طَوَافِهِ، وَلَكِنَّهُ يَطُوفُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ كَمَا يَطُوفُ وَرَاءَ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ، وَهَكَذَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «نَذَرَتْ إنْ فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهَا، وَأَدْخَلَهَا الْحَطِيمَ، وَقَالَ صَلِّي هُنَا فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا أَنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِك بِالْجَاهِلِيَّةِ لَنَقَضْتُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ، وَأَظْهَرَتْ قَوَاعِدَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَأَدْخَلْتُ الْحَطِيمَ فِي الْبَيْتِ

الصفحة 11