كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

إلَى الصَّفَا فَمِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ خَرَجَ إلَّا أَنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسُنَّةٍ» بَلْ إنَّمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا فَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْآنَ بَابَ الصَّفَا فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِالصَّفَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَيِّهِمَا نَبْدَأُ قَالَ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.} [البقرة: 158]
(قَالَ) وَقُمْ عَلَيْهَا مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَتَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَتُثْنِي عَلَيْهِ، وَتُكَبِّرُ وَتُهَلِّلُ وَتُلَبِّي وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِك لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ يَدْعُو».
وَرَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَعِدَ الصَّفَا اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يَحْيَى وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَرَأَ مِقْدَارَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ نَزَلَ وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ فَلَمَّا انْتَصَبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى الْتَوَى إزَارُهُ بِسَاقَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ، وَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا لِيَصِيرَ الْبَيْتُ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْهُ» فَإِنَّمَا يَصْعَدُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْمَقْصُودُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ كَانَ لِيَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ فَيَأْتِيَ بِالتَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجْعَلَ الثَّنَاءَ مُقَدِّمَةَ دُعَائِهِ، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَفْعَلُهُ الدَّاعِي عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ الدُّعَاءَ هُنَا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ حَالُ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا حَالُ خَتْمِ الْعِبَادَةِ فَإِنْ خَتَمَ الطَّوَافَ بِالسَّعْيِ يَكُونُ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ.
(قَالَ) ثُمَّ اهْبِطْ مِنْهَا نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَامْشِ عَلَى هِينَتِك مَشْيًا حَتَّى تَأْتِيَ بَطْنَ الْوَادِي فَاسْعَ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعْيًا فَإِذَا خَرَجْتَ مِنْهُ تَمْشِي عَلَى هِينَتِك مَشْيًا حَتَّى تَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَتَصْعَدَ عَلَيْهَا، وَتَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَتَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَتُثْنِي عَلَيْهِ وَتُهَلِّلَ وَتُكَبِّرَ وَتُلَبِّي وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِك. وَلِلنَّاسِ فِي أَصْلِ السَّعْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي كَلَامٌ فَقَدْ قِيلَ: بِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ فِعْلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ هَاجَرَ حِينَ كَانَتْ فِي طَلَبِ الْمَاءِ كُلَّمَا صَارَ الْجَبَلُ حَائِلًا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ النَّظَرِ إلَى وَلَدِهَا كَانَتْ تَسْعَى

الصفحة 13