كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

حَتَّى تَنْظُرَ إلَى وَلَدِهَا شَفَقَةً مِنْهَا عَلَى الْوَلَدِ فَصَارَ سُنَّةً، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُسُكِهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَنَفْعَلُهُ اتِّبَاعًا لَهُ، وَلَا نَشْتَغِلُ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ كَمَا لَا نَشْتَغِلُ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِي تَقْدِيرِ الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ.
(قَالَ) فَطُفْ بَيْنَهُمَا هَكَذَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَبْدَأُ بِالصَّفَا، وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، وَتَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَرُجُوعَهُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ، وَالِيه أَشَارَ فِي قَوْلِهِ يَبْدَأُ بِالصَّفَا، وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا، وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ، وَلَا يَجْعَلُ ذَلِكَ شَوْطًا آخَرَ.
وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ رُوَاةَ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا.

(قَالَ) ثُمَّ تُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا لَا تَحِلُّ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ مَا لَمْ يَأْتِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ.
(قَالَ) وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك، وَتُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَوَاتِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ، وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ». وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ سَائِرِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ الْوَاحِدَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَوْ سَعَى بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُتَنَفِّلًا، وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ

(قَالَ) حَتَّى تَرُوحَ مَعَ النَّاسِ إلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَتَبِيتَ بِهَا لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَتُصَلِّي بِهَا الْغَدَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ».
(قَالَ) ثُمَّ تَغْدُو إلَى عَرَفَاتٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ جَبْرَائِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه أَتَى إبْرَاهِيمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَأَمَرَهُ فَرَاحَ إلَى مِنًى، وَبَاتَ بِهَا، ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ.
(قَالَ) وَتَنْزِلُ بِهَا مَعَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّاسِ فَيَنْزِلُ حَيْثُ يَنْزِلُونَ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا يَتَأَذَّى هُوَ بِهِمْ

(قَالَ) فَإِنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَحَسَنٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ بِعَرَفَاتٍ هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ قَالَ: «لَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الصفحة 14