كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

عَلَيْهِ الدَّمَ فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ كَانَ الْمُعْتَدُّ بِهِ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ. مُفْرِدٌ أَوْ قَارِنٌ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِلْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْآخَرُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ.
وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدَرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يُجْعَلُ طَوَافُهُ لِلصَّدَرِ إعَادَةً مِنْهُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ هَذَا الطَّوَافِ مَقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ هَذَا إعَادَةً بِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدَرِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَجْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَإِذَا عَادَ فَعَلَيْهِ إحْرَامٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَيَلْزَمُهُ إحْرَامٌ جَدِيدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَّرَ الطَّوَافَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَسَنُبَيِّنُ هَذَا الْفَصْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّوَافُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَشَاةٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَعَلَى الْحَائِضِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلزِّيَارَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ شَيْءٌ لِأَنَّ لِلْحَائِضِ رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَإِنَّهُ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْرَى حَلْقَى أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقِيلَ إنَّهَا قَدْ طَافَتْ قَالَ فَلْتَنْفِرْ إذَنْ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ أَمَرَهَا بِأَنْ تَنْفِرَ مَعَهُمْ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَطَافَ لِلصَّدَرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَانَ طَوَافُ الصَّدَرِ مَكَانَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ عَمَّا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَفِي إقَامَةِ هَذَا الطَّوَافِ مَقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ إسْقَاطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَالْآخَرُ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْحَائِضِ إذَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَطَافَتْ لِلصَّدَرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يُوجِبُ الدَّمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا يُوجِبُ الدَّمَ فِي قَوْلِهِمَا.
وَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ كَأَنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ نَحَرَ الْقَارِنُ قَبْلَ

الصفحة 41