كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ إذَا أَتَى بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يُجْعَلُ اقْتِدَاؤُهُ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ كَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ الرَّكْعَةِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ، وَالْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ يُجْعَلُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الطَّوَافُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَفِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ يُقَامُ الْبَعْضُ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْأَكْثَرَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ فَإِنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَالْحَلْقَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ فَيُقَامُ الرُّبُعُ مَقَامَ الْكُلِّ هُنَاكَ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَحَلَّلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ خُطْوَةٌ مِنْ شَوْطٍ، وَلَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ لِلزِّيَارَةِ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ، وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِالْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ، وَيَقْضِيَ بَقِيَّةَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَكَانَ إحْرَامُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بَاقِيًا، وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى إحْرَامٍ جَدِيدٍ عِنْدَ الْعَوْدِ، وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ لِبَقِيَّةِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُرِيقُ دَمًا لِتَأْخِيرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ أَكْثَرِ الْأَشْوَاطِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ كَتَأْخِيرِ الْكُلِّ، وَيَطُوفُ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ، وَلَكِنْ يَبْعَثُ بِشَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ أَقَلُّ، وَشَرْطُ الطَّوَافِ الْكَمَالُ فَيَقُومُ الدَّمُ مَقَامَهُ، وَالدَّمُ الْآخَرُ لِطَوَافِ الصَّدَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْعَوْدَ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَإِذَا عَادَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَأَعَادَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَطَافَ لِلصَّدَرِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ كُلِّ شَوْطٍ مِنْ أَشْوَاطِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْكُلِّ لَمَّا كَانَ يُوجِبُ الدَّمَ عَنْهُ فَتَأْخِيرُ الْأَقَلِّ لَا يُوجِبُ الدَّمَ، وَلَكِنْ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَقُولُ تَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ فَالْمُرَادُ طَعَامُ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةُ ذَلِكَ قِيمَةَ شَاةٍ فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا أَحَبَّ

(قَالَ) وَإِنْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَطَافَ لِلصَّدَرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُكْمِلُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ أَقْوَى فَمَا أَتَى بِهِ مَصْرُوفٌ إلَى إكْمَالِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ دَمٌ عَنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ قَدْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِهِ لِلصَّدَرِ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَصَارَ تَارِكًا لِلْأَكْثَرِ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَرْكِ الْكُلِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثَلَاثَةَ

الصفحة 43