كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 4)

شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ»، وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا الطَّوَافُ مَاشِيًا، وَعَلَى هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ كَالصَّلَاةِ الدَّمُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْمَكْتُوبَةِ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّ بِطَوَافِ الرَّاكِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَشْيُ شَرْطُ الْكَمَالِ فِيهِ فَتَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُوجِبُ الدَّمَ لِمَا بَيَّنَّا فَأَمَّا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الطُّفَيْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا لِوَجَعٍ أَصَابَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَثَبَتْ رِجْلُهُ فَلِهَذَا طَافَ رَاكِبًا، وَذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِيُشَاهِدَهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُوهُ عَنْ حَوَادِثِهِمْ، وَقِيلَ إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِكِبَرِ سِنِّهِ»، وَعِنْدَنَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ الْأَكْثَرُ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا

(قَالَ) وَإِذَا طَافَ الْمُعْتَمِرُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَ شَوَّالٌ فَأَتَمَّ طَوَافَهُ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِأَكْثَرَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ، وَيَمْضِي فِيهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيَمْضِي فِي الْفَاسِدِ حَتَّى يُتِمَّهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْجِمَاعِ، وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ، وَجِمَاعُهُ بَعْدَ إكْمَالِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُؤَدَّاةً بِأَدَاءِ رُكْنِهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ الطَّوَافِ

(قَالَ) وَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إنْ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ أَوْ لَمْ يُعِدْهُ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اسْتَدَلَّ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ بَيَّنَّا الْعُذْرَ فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُقُوعِ الْأَمْنِ لَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِمَا أَدَّاهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا لَبَطَلَ بِالْإِعَادَةِ فِي شَوَّالٍ

(قَالَ) كُوفِيٌّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَرَجَعَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمْرَتِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِأَكْثَرِ الْأَشْوَاطِ بَعْدَمَا رَجَعَ ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ أَتَى بِالْكُلِّ بَعْدَ رُجُوعِهِ، وَلَوْ كَانَ طَافَ أَوَّلًا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا

الصفحة 45