كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

إقْرَارُهَا بِالنِّكَاحِ.
وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا فِي مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ لَمَا اُعْتُبِرَ رِضَاهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا عِنْدَ طَلَبِهَا، وَلَوْ كَانَتْ كَالصَّغِيرَةِ لَمَا وَجَبَ الْإِيفَاءُ بِطَلَبِهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ مُطَالَبَةِ الْوَلِيِّ؛ لِنَوْعٍ مِنْ الْمُرُوءَةِ، وَهُوَ أَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مَحَافِلِ الرِّجَالِ لِتُبَاشِرَ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهَا، وَيُعَدُّ هَذَا رُعُونَةً مِنْهَا وَوَقَاحَةً، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مُبَاشَرَتِهَا كَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ؛ لِنَوْعٍ مِنْ الْمُرُوءَةِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَقَدْ أَلْحَقَتْ الضَّرَرَ بِالْأَوْلِيَاءِ فَيَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَ الْكَفَاءَةِ لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِمْ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُودَ أَصْلِ عَقْدِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَ لِلْآخَرِ أَنْ يَفْسَخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ أَصْلًا.
وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يَحْتَسِبُ فِي الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَكَانَ الْأَحْوَطُ سَدَّ بَابِ التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ عَلَيْهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْأَحْوَطُ أَنْ يُجْعَلَ عَقْدُهَا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ؛ لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْ الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَصَدَ بِالْفَسْخِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا صَحَّ فَسْخُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ فَسْخُهُ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْإِجَازَةِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْعَقْدِ إذَا عَضَلَهَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَمَّا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ؛ لِتَمَامِ الِاحْتِيَاطِ فَكَمَا يَنْعَقِدُ بِإِجَازَتِهِ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ، وَبَعْدَ مَا يَفْسَخُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهُ، وَلَكِنْ يُسْتَقْبَلُ الْعَقْدُ إذَا تَحَقَّقَ الْعَضْلُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَقُولُ: إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي تَوَارَثَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّ تَصَرُّفَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا صَحِيحٌ، وَمَعْنَى التَّوَقُّفِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْوَلِيِّ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا انْتَهَى النِّكَاحُ الصَّحِيحُ بِالْمَوْتِ فَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كَانَ مَوْقُوفًا، وَفِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَإِنْ كَانَتْ قَصَّرَتْ فِي مَهْرِهَا فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ حَتَّى

الصفحة 13