كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

لِلْأُخْتِيَّةِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ الثَّلَاثَ أَوَّلًا مَعًا ثُمَّ الرَّابِعَةَ بَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ دُونَ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا فَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا.

(قَالَ:) وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَصَبِيَّتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا الْمَرْأَةُ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ حُرِّمَتْ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيَّةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَدْ صَارَتَا أُمًّا وَابْنَةً فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ، وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا فَبَقِيَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْبِنْتِ ثُمَّ لَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهَا إنَّمَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْكَبِيرَةِ حِينَ أَرْضَعَتْهَا، فَإِنَّ اللَّبَنَ يَصِلُ إلَى جَوْفِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهَا فِي الِارْتِضَاعِ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ لِمَا قُلْنَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْأُمِّ، وَأَمَّا الصَّبِيَّةُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ إذَا فَارَقَتْهُ الَّتِي عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْبِنْتِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ حُرِّمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا ابْنَتَهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ ثُمَّ لِلْكَبِيرَةِ مَهْرُهَا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَبَدًا لِوُجُودِ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ.

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ صَارَتْ بِنْتًا لِمَنْ أَرْضَعَتْهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي النِّكَاحِ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى الصَّغِيرَتَيْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَتَيْنِ، فَأَمَّا الْكَبِيرَةُ الْأُولَى مَعَ الصَّغِيرَةِ الْأُولَى فَقَدْ بَانَتَا لِمَا قُلْنَا، وَالصَّغِيرَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ بِإِرْضَاعِ الْكَبِيرَةِ الْأُولَى، فَأَمَّا بِإِرْضَاعِ الْكَبِيرَةِ الثَّانِيَةَ، فَإِنْ بَدَأَتْ بِإِرْضَاعِهَا بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ بَدَأَتْ بِإِرْضَاعِ الْأُولَى فَالصَّغِيرَةُ الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى صَارَتْ أُمًّا لَهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الصَّغِيرَةِ الْأُولَى فِيمَا سَبَقَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ، وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا فَلِهَذَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.

(قَالَ:) وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أُخْتُهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ ابْنَتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقَالَ: أَوْهَمْتُ أَوْ أَخْطَأْتُ أَوْ نَسِيتُ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَهُمَا مُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْتُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْمُقَرُّ بِهِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ

الصفحة 143