كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنَّهُ أَتَاهَا بِزَوْجٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ صَدَّقَتْهُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ لَهَا فَالزَّوْجُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا هُوَ حَقُّهُ، وَالْأُخْتُ الْأُخْرَى تَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهَا حَقٌّ لِزَوْجٍ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ لَهُ عَلَيْهَا، وَبَيِّنَةُ الْمَرْءِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَا وَجْهَ لِلْعَمَلِ بِبَيِّنَةِ الْأُخْتِ فِي إثْبَاتِ نِكَاحِهَا، فَلَوْ قَبِلْنَاهَا إنَّمَا نَقْبَلُهَا فِي نَفْيِ النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ أَثْبَتَ الزَّوْجُ نِكَاحَهَا، وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ نِكَاحَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَإِقْرَارُهُ مُوجِبٌ لَلْفُرْقَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ بِنِكَاحِ الْأُخْرَى فَبَقِيَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قَائِمَةً عَلَى النَّفْيِ، وَلَا مَهْرَ لِلْأُخْرَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ نِكَاحِهَا لَمْ يَثْبُتْ.

وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا، وَلَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجِ قَالَ هِيَ هَذِهِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي حَقِّهِمَا أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَالشَّهَادَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَكُونُ حُجَّةً وَلِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا أَوْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا الشُّهُودُ فَقَدْ ضَيَّعُوا شَهَادَتَهُمْ، فَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ بَقِيَ دَعْوَى الزَّوْجِ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِدَعْوَتِهِ، وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الَّتِي يَدَّعِي النِّكَاحَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الِاسْتِحْلَافَ فِي النِّكَاحِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا، وَلَا يَعْرِفُونَ أَيَّهمَا هُوَ وَالرَّجُلَانِ يُنْكِرَانِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا مَهْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا دَعْوَى النِّكَاحِ.

وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَهْرِ اسْتَحْلَفَتْهُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا الْآنَ دَعْوَى الْمَالِ وَالِاسْتِحْلَافُ مَشْرُوعُ فِي دَعْوَى الْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ كَانَ فِي الْمَالِ لَا فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُقْضَى عِنْدَ النُّكُولِ بِمَا اُسْتُحْلِفَ فِيهِ خَاصَّةً كَمَا فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ إذَا اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ.

(قَالَ:) وَإِنْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهُمَا جَمِيعًا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا كَانَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ فَأَيُّهُمَا قَالَ هِيَ الْأُولَى فَهِيَ الْأُولَى، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْعَمَلُ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الثَّابِتَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ السَّابِقُ

الصفحة 154