كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

بِفَضِيلَةِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ يَزْدَادُ الْحِلُّ كَمَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نِكَاحًا، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ» مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَمْلُوكِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الْحُرِّ وَلَهُ أَنْ يَتَسَرَّى عَلَى الْأَرْبَعِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ السَّرَارِي مَا خَلَا امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْئًا إلَّا وَقَدْ حَرَّمَ مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلَهُ إلَّا رَجُلًا يَجْمَعُهُنَّ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَدَ إذْ التَّسَرِّي غَيْرُ مَحْصُورٍ بِعَدَدٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا كَانَ مَحْصُورًا بِعَدَدٍ لِوُجُوبِ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي الْإِمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَحْصُورًا بِالْعَدَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَأَمَّا سَائِرُ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْمَنْكُوحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ.

(قَالَ:) رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمَكَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِالطَّائِفِ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَنَقُولُ: الْعُقُودُ كُلُّهَا قَدْ صَحَّتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَ الْمَكِّيَّةَ بَعْدَ مَا طَلَّقَ إحْدَى الْكُوفِيَّاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَحِينَ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ يُجْعَلُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِخَطَرِ الْبَيَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ نِكَاحُ الْمَكِّيَّةِ.
(قَالَ:) هَذَا فِي حَقِّ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ النَّكِيرِ فِي الْمَحَلِّ، فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُطَلِّقِ لَا إبْهَامَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ فِي نَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْعَدَدِ يَنْبَنِي عَلَى الْعَدَدِ فِي جَانِبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَكِّيَّةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ الطَّائِفِيَّةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٌ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمِ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ، أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنَّ لِلطَّائِفِيَّةِ مَهْرًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ صَحَّ وَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ نِكَاحِهَا طَلَاقٌ فَيَتَقَرَّرُ مَهْرُهَا بِالْمَوْتِ، وَلِلْمَكِّيَّةِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْ الْكُوفِيَّاتِ فَيَتَوَزَّعُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِنَّ أَرْبَاعًا فَيُصِيبُهَا نُقْصَانُ نِصْفِ رُبْعِ صَدَاقٍ، وَذَلِكَ ثُمُنُ صَدَاقٍ فَبَقِيَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ صَدَاقٍ، وَأَمَّا الْكُوفِيَّاتُ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَصْدِقَةٍ وَثُمُنُ صَدَاقٍ بَيْنَهُنَّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ أَوَّلًا فَقَدْ سَقَطَ بِهَذَا الطَّلَاقُ نِصْفُ مَهْرٍ، وَمِنْ الطَّلَاقِ الثَّانِي أَصَابَهُنَّ أَيْضًا نُقْصَانُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ مَهْرٍ، وَذَلِكَ

الصفحة 161