كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

إبْطَالُ حَقِّهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَفِي الْبَيْعِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى بِبَدَلٍ، فَكَانَ هَذَا الضَّرَرُ أَهْوَنَ حَتَّى أَنَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ إبْطَالًا بِغَيْرِ بَدَلٍ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَعْتِقْهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ.

(قَالَ:) وَالتَّبْوِئَةُ فِي الْأَمَةِ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا نَفْسَهَا لِقِيَامِ مَصَالِحِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّبْوِئَةِ، فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا بِهِ كَانَتْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ النَّاشِزَةِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمَوْلَى إنَّمَا أَزَالَ ذَلِكَ بِحَقٍّ لَهُ فَلِمَاذَا لَا يَجْعَلُ هَذَا كَالْحُرَّةِ إذَا احْتَبَسَتْ نَفْسَهَا لِصَدَاقِهَا قُلْنَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْحُرَّةَ إذَا احْتَبَسَتْ نَفْسَهَا بِالصَّدَاقِ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ النَّفَقَةَ وَالْمَوْلَى إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا بَيْتًا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا احْتَبَسَتْ نَفْسَهَا بِصَدَاقِهَا فَالتَّفْوِيتُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ مَا لَزِمَهُ لِتَنْتَقِلَ إلَى بَيْتِهِ، فَأَمَّا هُنَا التَّفْوِيتُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَلْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى لِشَغْلِهِ إيَّاهَا بِخِدْمَةِ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ تَجِيءُ فَتَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَوْلَى، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ تَفْوِيتٌ بَلْ الْمَوْجُودُ مِنْ جِهَتِهِ التَّسْلِيمُ، فَإِنْ جَاءَتْ فِي وَقْتٍ وَالزَّوْجُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ فَاسْتَخْدَمُوهَا وَمَنَعُوهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ أَهْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا كَاسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ التَّبْوِئَةِ، وَالتَّبْوِئَةُ شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَبَعْدَ التَّفْوِيتِ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَكُونُ لَهَا نَفَقَةٌ.

(قَالَ:) وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ مَرِضَتْ مِنْ قَبْلِ أَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا فِعْلَ مِنْهَا فِي الْمَرَضِ لِتَصِيرَ بِهِ مُفَوِّتَةً، مَعَ أَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّ الرَّتْقَاءَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا مَعَ فَوَاتِ مَقْصُودِ الْجِمَاعِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرَّتْقَاءَ لَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِهَا وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا وَلَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا. وَفِي الْمَرِيضَةِ إنْ تَحَوَّلَتْ إلَى بَيْتِهِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَنْ تَبْرَأَ، وَإِنْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ مَا تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، بَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ مَرَضُهَا. (قَالَ:) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ أَوْ يَرُدَّهَا لِقَلِيلِ مَرَضٍ فَإِذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّتَقِ الَّذِي لَا يَزُولُ عَادَةً. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَنْسِيٍّ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَلَكِنْ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ

الصفحة 192