كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

حَقِّهَا مِنْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْمَهْرِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ بِمَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْقَضَاءِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَمَعْنَى الْإِثْبَاتِ فِي بَيِّنَتِهِ أَظْهَرُ وَكَذَلِكَ إنْ بَعَثَ بِدَرَاهِمَ فَقَالَ: هِيَ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِمَا بَيَّنَّا

(قَالَ:) وَإِذَا أَعْطَاهَا كِسْوَةً فَعَجَّلَتْ تَمْزِيقَهَا، أَوْ هَلَكَتْ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي صِيَانَةِ الثِّيَابِ وَتَمْزِيقِهَا فَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِحَقِيقَةِ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ فَيُقَامُ الْوَقْتُ مُقَامَهُ تَيْسِيرًا فَمَا لَمْ يَأْتِ الْوَقْتُ لَا تَتَجَدَّدُ الْحَاجَةُ فَلَا يَتَجَدَّدُ سَبَبُ الْوُجُوبِ لَهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ. (قَالَ:) وَكَذَلِكَ إنْ صَانَتْهَا وَلَبِسَتْ غَيْرَهَا فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِالْكِسْوَةِ وَالْقَاضِي فِي الِابْتِدَاءِ يُوَقِّتُ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَتَمَزَّقُ فِيهِ الثَّوْبُ بِاللُّبْسِ. الْمُعْتَادِ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيتِ يَجِبْ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْظَرْ إلَى تَعْجِيلِهَا التَّمْزِيقَ وَلَا إلَى صِيَانَتِهَا فَوْقَ الْمُعْتَادِ.

(قَالَ:) وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَلَمْ تُنْفِقْ حَتَّى جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي وَهِيَ مَعَهَا فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ الثَّانِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرَ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَسْتَوْجِبْ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحَاجَةُ مُرْتَفِعَةٌ بِبَقَاءِ الْمَأْخُوذِ مَعَهُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.

(قَالَ:) وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا فَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا وَلَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، أَوْ الصُّلْحِ عَنْ التَّرَاضِي وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (قَالَ:) وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالٍ آخَرَ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي فُرِضَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِمَا مَضَى لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا وَأَوْرَدَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْجَامِعِ أَنَّ نَفَقَةَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا اسْتَدَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ مِنْ ذَلِكَ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَهُنَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالٍ لَهُ، أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَالْحَاجَةُ لَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ غَائِبًا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ لِعِلْمِهِ بِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ غَابَ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْظُرَ لِلْغَائِبِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا

الصفحة 196