كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 5)

وُجُوبُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي النَّفَقَةِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالسِّعَايَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مَعَ قِيَامِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ فِي كَسْبِهِ كَمَا يُقْضَى بِسَائِرِ دُيُونِهِ فِي كَسْبِهِ

فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ، أَوْ الْمُدَبَّرِ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهَا يَكُونُ حُرًّا وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحُرِّ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ لِمَوْلَاهُ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ الْحُرِّ لَيْسَتْ عَلَى الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي كَسْبِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يَجِبُ فِي كَسْبِهِ نَفَقَةُ وَلَدٍ حُرٍّ وَلَا نَفَقَةُ وَلَدٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُكَاتَبَةً مَعَهُ لِمَوْلًى وَاحِدٍ كَاتَبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ يَكُونُ لَهَا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لَهَا، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا فَذَلِكَ كُلُّهُ لَهَا، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ تَكُونُ عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَإِنَّ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى كَانَ كَسْبُهُ لَهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ أَيْضًا لَيْسَ لِلْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ وَلَوْ كَانَ لِلْأُمِّ فَالْأُمُّ أَمَةٌ لَهُ أَيْضًا؛ فَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ نَفْسِهِ

(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ، أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ يَكُونُ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَنِكَاحُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ نِكَاحُهُ حِينَ يَعْتِقُ لِسُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْمُكَاتَبِ

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَبَّرَةُ أَوْ الْأَمَةُ، أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ تَحْتَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَعَهُ بَيْتًا لِانْعِدَامِ التَّسْلِيمِ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ إنَّمَا يُوجَدُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُقَرِّرٌ لِلْبَدَلِ وَالنَّفَقَةُ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّتْقَاءَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَقَدْ انْعَدَمَ مِنْهَا تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا نَفْسَهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالتَّبْوِئَةِ، فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ بَيْتًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَإِنْ انْتَزَعَهَا مِنْهُ وَاحْتَاجَ إلَى خِدْمَتِهَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ مَا دَامَتْ عِنْدَ مَوْلَاهَا، وَإِنْ أَعَادَهَا إلَيْهِ وَبَوَّأَهَا مَعَهُ بَيْتًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا هَرَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَى بَيْتِهِ، تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْأَمَةَ مَحْبُوسَةٌ عِنْدَ مَوْلَاهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهَا فَكَانَتْ كَالْمَحْبُوسَةِ فِي الدَّيْنِ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ بِالدَّيْنِ إذَا

الصفحة 199