كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

فَشَيْئًا بِحَسْبِ الْمُدَّةِ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا عَنْ السُّكْنَى فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ مَعْصِيَةٌ، قَالُوا: وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ سَكَنَتْ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ الْتَزَمَتْ مُؤْنَةَ السُّكْنَى مِنْ مَالِهَا صَحَّ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا.

(قَالَ): وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَعْتَمِدَ التَّرَاضِيَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، وَلِلزَّوْجِ وِلَايَةُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَلَهَا وِلَايَةُ الْتِزَامِ الْعِوَضِ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ.

(قَالَ): وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ خَالَعْتُكِ، أَوْ بَارَأْتُك، أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَالْقَبُولُ إلَيْهَا فِي مَجْلِسِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إيجَابَ الْخُلْعِ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ طَلَاقٌ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً حَتَّى إذَا بَلَغَهَا فَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا، ثُمَّ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْبَلَ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَتَمْلِيكِ الْأَمْرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشِيئَةِ فِي مَجْلِسِهَا فَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا، فَكَذَلِكَ تَقْدِرُ عَلَى الْقَبُولِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي مِنْ جَانِبِهَا فِي الْخُلْعِ الْتِزَامُ الْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى إذَا بَدَأَتْ فَقَالَتْ: اخْلَعْنِي، أَوْ بَارِئْنِي، أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ بِقِيَامِ الزَّوْجِ عَنْ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا يَبْطُلُ إيجَابُ الْبَيْعِ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا حِينَ قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، إذَا بَلَغَهُ كَمَا لَا يَتَوَقَّفُ إيجَابُ الْبَيْعِ عَلَى قَبُولِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ غَائِبًا.

(قَالَ): فَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَبْدَالَ، وَالْأَعْوَاضَ، وَالْعِوَضُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ، فَهِيَ لَمَّا الْتَمَسَتْ الثُّلُثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ جَعَلَتْ بِإِزَاءِ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ ثُلُثَ الْأَلْفِ، ثُمَّ فِيمَا صَنَعَ الزَّوْجُ مَنْفَعَةً لَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِوُجُوبِ جَمِيعِ الْأَلْفِ عَلَيْهَا بِمُقَابَلَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ زَوْجِهَا فَتَكُونُ أَرْضَى بِوُجُوبِ ثُلُثِ الْأَلْفِ عَلَيْهَا إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَبِالْوَاحِدَةِ تَتَخَلَّصُ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ لَوَقَعَتْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَالزَّوْجُ مَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْأَلْفِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ، وَهَذِهِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُنَاكَ رَاضٍ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْمَالِ، فَإِنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا لَا يَتَّصِلُ بِنِكَاحِ الْأُخْرَى. (قَالَ): وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي

الصفحة 173