كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

الْمَجْلِسِ، وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا تُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ إيجَابٌ لِلطَّلَاقِ بِجُعْلٍ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَكُونُ إيجَابًا، لَا تَعْلِيقًا، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ جِئْتنِي، أَوْ إذَا أَعْطَيْتنِي، فَإِنَّ هُنَاكَ قَدْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ أَلْفٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى جَعْلِ الْأَلْفِ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَهُنَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِالْقَبُولِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْإِعْطَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29]، وَبِالْقَبُولِ يَثْبُتُ حُكْمُ الذِّمَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِ الْمَالِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا لَمْ تَقْبَلْ حَتَّى قَامَتْ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ لَمَّا كَانَ الْإِعْطَاءُ شَرْطًا فَبِجَعْلِهِ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الشَّرْطُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِعْطَاءِ، وَالْمُقَاصَّةُ بَيْنَ دَيْنَيْنِ وَاجِبَيْنِ فَفِي قَوْلِهِ: إذَا أَعْطَيْتنِي الْمَالَ، الْمَالُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، فَلَا يَصِيرُ قِصَاصًا.
وَفِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْمَالَ يَجِبُ عَلَيْهَا بِالْقَبُولِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا فِي قَوْلِهِ: إذَا أَعْطَيْتنِي، فَرَضِيَ الزَّوْجُ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَبِلَتْ، وَكَانَ هَذَا مِنْهُ لَهَا إيجَابًا مُبْتَدَأً.

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَسَأَلَتَاهُ أَنْ يُطَلِّقَهُمَا عَلَى أَلْفٍ، أَوْ بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَزِمَ الْمُطَلَّقَةَ حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ، أَمَّا فِي حَرْفِ الْبَاءِ، فَلِأَنَّهُمَا جَعَلَتَا الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ طَلَاقِهَا، فَإِذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا، فَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا، وَكَذَلِكَ فِي حَرْفِ " عَلَى "؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِي طَلَاقِ الضَّرَّةِ حَتَّى يُجْعَلَ شَرْطًا؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَتْ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا، وَإِذَا أَبَى كَانَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ، فَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا لَزِمَتْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ، فَكَانَ هَذَا، وَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ، وَإِنْ افْتَرَقُوا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَطَلَ إيجَابُهُمَا بِالِافْتِرَاقِ، فَإِذَا طَلَّقَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بِغَيْرِ بَدَلٍ. .

(قَالَ): وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَأَقَامَتْ شَاهِدَيْنِ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْخُلْعِ بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا مَحَالَةَ، فَتَكُونُ مُكَذِّبَةً لِلشَّاهِدِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا قِيَاسُ الْبَيْعِ، وَشُهُودُ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي مِقْدَارِهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ

الصفحة 185