كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

الْجُعْلِ كَالْعَرَضِ، وَالْعَبْدِ، أَوْ كَالْعَرَضِ وَالدَّرَاهِمِ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِالطَّلَاقِ لِعِوَضٍ آخَرَ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ عَلَيْهَا، فَلَوْ حَكَمَ بِالطَّلَاقِ لَحَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ اتَّفَقَا أَنَّ الزَّوْجَ مَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

(قَالَ): وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ لِلْخُلْعِ، وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفِ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسِمِائَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بَقِيَ مِنْهُ دَعْوَى الْمَالِ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَلْفِ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنَى، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَلْفَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي إذَا أَكْذَبَ شَاهِدَهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُكَذِّبٌ لِأَحَدِهِمَا لَا مَحَالَةَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ.
فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِاخْتِلَافِهِمَا لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ، إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَلْفَ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مِقْدَارِ الْخَمْسِمِائَةِ مَعْنًى، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ، ثُمَّ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ لَا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ، فَالْخُلْعُ قِيَاسُهُ إلَّا فِي فُصُولٍ يَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهَا حَتَّى إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى دَارٍ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا أَلْفًا مَعَ ذَلِكَ، فَفِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَلَيْسَ فِي جَعْلِ الْخُلْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلَا رَدٌّ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ كَمَا فِي الصَّدَاقِ.

(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ بِمَا فِي بَيْتِهَا مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَكُلَّمَا يَكُونُ فِي بَيْتِهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَحَلِّ تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّ الزَّوْجَ بِتَسْمِيَةِ الشَّيْءِ، فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا لَا قِيمَةَ لَهُ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ.
وَفِي هَذَا الْفَصْلِ فِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ لَغْوٌ مِنْ الزَّوْجِ، فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهُنَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ خَلَعَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا قِيمَةَ لِلْبُضْعِ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.

(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتهَا مِنْ مَتَاعٍ، فَلَهُ مَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَتَاعِ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا مُنْتَفَعًا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا، وَلِلْمَغْرُورِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ

الصفحة 186