كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

تَكْتَسِبُ الْعَامَ مِنْ مَالٍ، أَوْ بِمَا تَرِثُهُ، أَوْ بِمَا تَتَزَوَّجُ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا تَحْمِلُ جَارِيَتَهَا، أَوْ غَنَمَهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ كَانَ لَهُ الْمَهْرُ الَّذِي أَعْطَاهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي شَيْءٍ مِنْ النُّقُودِ: إمَّا لِأَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا، أَوْ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَالْقَدْرِ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الْخُلْعِ أَيْضًا، وَلَكِنَّهَا غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ، فَيَلْزَمُهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ مَا تَحْمِلُ جَارِيَتُهَا، أَوْ نَعَمُهَا مِنْ وَلَدٍ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْغَيْرِ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ، الْوَصِيَّةُ وَغَيْرُهَا فِيهِ سَوَاءٌ، فَيَلْزَمُهَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ.

(قَالَ): وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَتُمْهِرَ عَنْهُ، فَالْخُلْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِلْجَهَالَةِ الْمُسْتَتِمَّةِ فِي الْمُسَمَّى، وَلَكِنَّ الْغُرُورَ يَتَمَكَّنُ لِتَسْمِيَةِ الْإِمْهَارِ، فَعَلَيْهَا رَدُّ الْعِوَضِ، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَوْصُوفٍ مِنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، أَوْ النَّبَاتِ، فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَلَى دَارٍ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْمُسْتَتِمَّةِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَلَهُ الْمَهْرُ الَّذِي أَعْطَاهَا بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِدَابَّةٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُسْتَتِمَّةِ، فَإِنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، فَلَهُ الْمَهْرُ الَّذِي أَعْطَاهَا، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مُسَمًّى، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَزِمَهَا مَا سَمَّتْ لَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهَا مِمَّا سُمِّيَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَيُنَصَّفُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَخَذَتْ الْمَهْرَ، ثُمَّ خَلَعَهَا قَبْلَ الدُّخُول عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظَةِ الْمُبَارَأَةِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُبَارَأَةِ: الْجَوَابُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُلْعَ، وَالْمُبَارَأَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُوجِبَانِ بَرَاءَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُوجِبَانِ إلَّا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ يُجْعَلُ كَالْفُرْقَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ بِالطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْخُلْعِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي الْمُبَارَأَةِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ بِعِوَضٍ فَيَجِبُ بِهِ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا

الصفحة 189