كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ شَاءَتْ غَيْرَ مَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهَا الثَّلَاثَ وَقَدْ شَاءَتْ الْوَاحِدَةَ وَاشْتِغَالُهَا بِمَشِيئَةٍ أُخْرَى يَكُونُ رَدًّا لِلْمَشِيئَةِ الَّتِي جَعَلَهَا الزَّوْجُ شَرْطًا فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا لَا أَشَاءُ وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَشِيئَةٌ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ كَلَامَهَا مَوْصُولٌ هُنَاكَ وَبِتَأَخُّرِهِ يَبِينُ أَنَّهُ إيجَادٌ لِلشَّرْطِ لَا رَدٌّ لِلْمَشِيئَةِ وَلَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ أَبِي كَانَ هَذَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهَا وَمَا أَتَتْ بِهِ إنَّمَا عَلَّقَتْ مَشِيئَتَهَا بِمَشِيئَةِ أَبِيهَا وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ التَّنْجِيزِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا تَنْجِيزُ الطَّلَاقِ لَا تَمْلِيكُ التَّعْلِيقِ ثُمَّ اشْتِغَالُهَا بِالتَّعْلِيقِ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا فِي خُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى شِئْت كَانَ لَهَا أَنْ تَشَاءَ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ مَتَى شَاءَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا وَمَتَى لِلْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَيَّ وَقْتٍ شِئْت فَيَكُونُ مُوجِبُ هَذَا الْحَرْفِ تَعَدِّي الْمَشِيئَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا التَّكْرَارَ فَكَانَ لَهَا الْمَشِيئَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا مَا شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت كَانَ لَهَا ذَلِكَ أَبَدًا كُلَّمَا شَاءَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَإِنْ شَاءَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَصَارَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا كَانَ لَهَا الْمَشِيئَةُ أَيْضًا لِبَقَاءِ بَعْضِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَلَوْ شَاءَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَفِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ أَنَّهَا شَاءَتْ مَرَّتَيْنِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ تَعُودُ بِثَلَاثٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ عَقْدُهُ وَاسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِهِ يَتَعَدَّى حُكْمُ ذَلِكَ الْعَقْدِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَشَأْ حَتَّى طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَلَوْ لَمْ تَشَأْ شَيْئًا وَرَدَّتْ الْمَشِيئَةَ كَانَ رَدُّهَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ رَدَّهَا إعْرَاضٌ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَفِي لَفْظِ كُلَّمَا لَا تَبْطُلُ مَشِيئَتُهَا بِقِيَامِهَا فَكَذَلِكَ بِرَدِّهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَشِيئَةِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِهَا الدَّارَ فَرَدَّتْ كَانَ رَدُّهَا بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ جُعِلَ هَذَا فِي اللُّزُومِ وَالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ آخَرَ سَوَاءً.

(قَالَ) وَلَوْ

الصفحة 200