كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

إلَيْهَا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لَهَا فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ بَاطِلًا مِنْهَا.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَجُلٍ خَيِّرْ امْرَأَتِي أَوْ قُلْ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَمَا لَمْ يُخَيِّرْهَا ذَلِكَ الرَّجُلِ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّهُ أَنَابَ ذَلِكَ الرَّجُلَ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي تَخْيِيرِهَا وَمَا أَوْجَبَ لَهَا الْخِيَارَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ قُلْ لَهَا أَنَّ الْخِيَارَ بِيَدِهَا أَوْ أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ أَنَّهَا طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ فَذَلِكَ بِيَدِهَا أَخْبَرَهَا الرَّجُلُ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَجَعَلَ الْمُخَاطَبَ رَسُولًا إلَيْهَا فِي إعْلَامِهَا ذَلِكَ فَسَوَاءٌ أَعْلَمَهَا أَوْ عَلِمَتْ بِنَفْسِهَا بِسَمَاعِهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ فَمَتَى عَلِمَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِمُقْتَضَى هَذَا التَّخْيِيرِ مَا لَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا عَلَى عِلْمِهَا بِهِ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ وَكَمَا فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى عِلْمِهَا بِهِ وَمَتَى عَلِمَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ هِيَ بِالْخِيَارِ الْيَوْمَ فَلَهَا الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهَا خِيَارًا مُمْتَدًّا فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ وَقْتَهُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ فَلَا مُوجِبَ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هِيَ بِالْخِيَارِ هَذَا الشَّهْرَ وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا ذَلِكَ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَقَالَ إذَا قَالَ لَهَا الْخِيَارُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فِي يَوْمٍ ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي يَوْمٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَنْ يَقُولُ لَهَا ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا زَوْجَهَا بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ فَكَمَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي الْأَمْرِ الْمُؤَقَّتِ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا زَوْجِهَا وَمَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَقَدْ أَبْطَلَتْهُ حِينَ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ إبْطَالِهَا خِيَارٌ حَتَّى تَخْتَارَ بِهِ نَفْسَهَا.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجك فَاخْتَارِي أَوْ مَتَى أَتَزَوَّجْك فَاخْتَارِي أَوْ إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ إذَا تَزَوَّجْتُك أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَلَهَا الْخِيَارُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ.

الصفحة 217